صفحة رقم ٣٥٢
ولما استشرقت النفس غلى معرفة جوابه عن هذه الأمر المهمة شفى عناءها بقوله، إعلاماً بأنه سبحانه استجاب له في كل ما سأل :( قال ( قول كامل القدرة شامل العلم كما هو وصفه سبحانه :( كلا ( اي ارتدع عن هذا الكلامن فإنه لا يكون شيء مما خفت، لا قتل ولا غيره - وكأنه لما كان التكذيب مع ما قام على الصدق من البراهين، المقوية لصاحبها، الشارحة لصدره، المعلية لأمره، عد عدماً - وقد أجبناك إلى الإعانة بأخيك ) فاذهبا ( اي أنت وهو متعاضدين، إلى ما أمرتك به، مؤيدين ) بآياتنا ( الدالة على صدقكما على ما لها منالعظمة بإضافتها إلينا ؛ ثم علل تأمينه له بقوله :( إنا ( بما لنا من العظمة ) معكم ) أي كائنون عند وصولكما إليهم فبمن اتبعكما من قومكما ؛ ثم أخبر خبراً آخر بقوله :( مستمعون ( اي سامعون بما لنا من العظمة في القدرة وغيرها من صفات الكمال، إلى ما تقولان لهم ويقولون لكما، فلا نغيب عنكم ولا تغيبون عنا، فنحن نفعل معكما من المعونة والنصر فعل القادر الحاضر لما يفع بحبيبه المصغي له بجهده، ولذلك عبر بالاستمتاع ؛ قال أبو حيان : وكان شيخاً الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يرجح أن يكون اريد بصورة الجمع المثنى والخطاب لموسى وهارون فقط، لأن لفظه ( مع ) تباين من يكون كافراً، فإنه لا يقال : الله معه، وعلى أنه أريد بالجمع التثنية حمله سيبويه كأنهما لشرفهما عند الله تعالى عاملهما في الخطاب معاملة الجمع إذ كان ذلك جائزاً أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته - انتهى.
وهو كلام نفيس مؤيد بتقديم الظرف، ويكون حينئذ خطابهما مشاكلاً لتعظيم المتكلم سبحانه نفسه، لأن المقام للعظمة، وعظمة الرسول من عظمة المرسل، على انه يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى البشارة بمن يتبعها كما قدرته، ويجوز أن تكون المعية للكل كما في قوله تعالى :
٧٧ ( ) ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ( ) ٧
[ المجادلة : ٧ ].
ولمانفى سبحلنه أن يكون شيء مما خافه موسى عليه السلام على هذا الوجه المؤكد، وكان ظهور ذلك في مقارعة الرأس أدل وأظهر، صرح به في قوله :( فأتيا ) أي فتسبب عن ذلك الضمان بالحراسة والحفظ أني أقول لكما : ائتيا ) فرعون ( نفسه، وإن عظمت مملكته، وجلّت جنوده ) فقولا ) أي ساعة وصولكما له ولمن عنده :( إنا رسول ( أفرده مريداً به الجنس الصالح للاثنين، إشارة بالتوحيد إلى أنهما في تعاضدهما واتفاقهما كالنفس الواحدة، ولا تخالف لأنه إما وقع مرتين كل واحدة بلون، أو مرة بما يفيد التثنية والاتفاق، فساغ التعبير بكل منهما، ولم يثنّ هنا لأن المقام لا اقتضاء له للتنبيه على طلب نبينا ( ﷺ ) المؤازرة بخلاف ما مر في سورة طه ) رب العالمين ) أي المحسن إلى جميع الخلق المدبر لهم ؛ ثم ذكر له ما قصد من الرسالة إليه فقال معبراً