صفحة رقم ٣٦٢
والخبز الفطير للإسراع، وألطخوا أعتابكم بالدم، لني أوصيت الملائكة الذين يقتلون الأبكار أن لا يدخلوا بيتاً على بابه دم ؛ ثم علل أمر له بالسير في الليل بقوله :( إنكم متبعون ) أي لا تظن أنهم لكثرة ما رأوا من الآيات يكفون عن اتباعكم، فأسرع بالخروج لتبعدوا عنهم إلى الموضع الذي قدرت في الأزل أن يظهر فيه مجدي، والمراد توافيهم عند البحر، ولم يكتم اتباعكم عن موسى عليه السلام لعدم تأثره به لما تحقق عنده من الحفظ لما تقدم به لاوعد الشريف بذلك التأكيد.
ولما كان التقدير : فأسرى بهم امتثالاً للأمر بعد نصف الليل، عطف عليه قوله :( فأرسل فرعون ) أي لما أصبح وأعلم بهم ) في المدائن حاشرين ) أي رجالاً يجمعون الجنود بقوة وسطوة وإن كرهوا، ويقولون تقوية لقلوبهم وتحريكاً لهممهم :( إن هؤلاء ( إشارة بأداة القرب تحقيراً لهم إلى أنهم في القبضة وإن بعدوا، لما بهم من العجز، وبآل فرعون من القوة، فليسوا بحيث يخاف قوتهم ولا ممانعتهم ) لشرذمة ) أي طائفة وقطعة من الناس.
ولما كانت قلتهم إنما هي بالنسبة إلى كثرة آل فرعون وقوتهم وما لهم عليهم من هيبة الاستبعاد، وكان التعبير بالشرذمة موهماً لأنهم في غاية القلة، أزال هذا الوهم بالتعبير بالجمع دون المفرد ليفيد أنه خبر بعد خبر، لا صفة، وأن التعبير بالشرذمة إنما هو للإشارة إلى تفرق القلوب، والجمع ولا سيما ما للسلامة مع كونه ايضاً للقلة أدل على أنهم أوزاع، وفيه أيضاً إشارة إلى انهم مع ضعفهم بقلة العدد آيسون من إسعاف بمدد.
وليس لهم أهبة لقتال لعدم العدة لأنهم لم يكونوا قط في عداد من يقاتل كما تقول لمن تزدريه : هو أقل من أن يفعل كذا، فقال :( قليلون ) أي بالنسبة إلى ما لنا من الجنود التي لا تحصى وإن كانوا في أنفسهم كثيرين، فلا كثرة لهم تمنعكم أيها المحشورون من اتباعهم ؛ قال البغوي عن ابن مسعود رضي الله عنهما : كانوا ستمائة ألف وتسعين ألفاً، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون - انتهى.
وكل هذا بيان لأن فرعون مع تناهي عظمته لم يقد على أثرٍ ما في موسى عليه السلام ولا من اتبعه تحقيقاً لما تقدم من الوعد به أول القصة.
ولما ذكر ما يمنع الخوف من اتباعهم، ذكر ما يوجب الحث عليه ويحذر من التقاعس عنه فقال :( وإنهم لنا ( ونحن على ما نحن عليه من الكثرة والعظمة ) لغائظون ( اي بما فجعونا به من أنفسهم وما استعاروه من الزينة من أواني الذهب والفضة وفاخر الكسوة، فلا رحمة في قلوبكم تحميهم.
ولما كان مدار مادة ( شرذم ) على التقطع.
فكان في التعبير بها إشارة إلى أنهم مع


الصفحة التالية
Icon