صفحة رقم ٣٦٧
أي مطيقين بها على سبيل المواظبة متراكيمن بعضنا خلف بعض حبسين أنفسنا تعظيماً لها، فجروا على منوال هؤلاء في داء التقليد الناشىء عن الجهل بنفس العبادة وبظنهم مع ذلك أنهم على طائل كبير، وأمر عظيم، ظفروا به، مع غفلة الخلق عنه - كما دل عليه خطابهم في هذا الكلام الذي كان يغني عنه كلمة واحدة، وهذا هو الذي أوجب تفسير الظلول بمطلق الدوام وإن كان معناه الدوام بقيد النهار، وكأنهم قصدوا بما يدل على النهار - الذي هو موضع الاشتغال والسهرة - الدلالة على الليل من باب الأولى، مع شيوع استعماله أيضاً مطلقاً نحو ( فظلت أعناقهم لها خاضعين )، وزاد قوم إبراهيم عليه السلام أن استمروا على ضلالهم وأبوه معهم فكانوا حطب النار، ولم يتكمن من إنقاذهم من ذلك، ولم تكن لهم حيلة إلا دعاؤهم، فهو أجدر بشديد الحزن وببخع نفسه عليهم وهو موضع التسلية.
ولما فهم عنهم هذه الرغبة، أخذ يزهدهم فيها بطريق الاستفهام الذي لا أنصف منه عن أوصاف يلجئهم السؤال إلى الاعتراف بسلبها عنهم، مع كل عاقل إذا تعقل أن لا تصح رتبة الإلهية مع فقد واحدة منها، فكيف مع فقدها كلها ؟ فقال تعالى مخبراَ عنه :( قال ( معبراً عنها إنصافاً بما يعبر به العقلاء لتنزيلهم إياها منزلتهم :( هل يسمعونكم ( اي دعاءكم مجرد سماع ؛ ثم صور لهم حالهم ليمنعوا الفكر فيه، فقال معبراً بظرف ماض وفعل مضارع تنبيهاً على استحضار جميع الزمان ليكون ذلك أبلغ في التبكيت :( إذ تدعون ) أي استحضروا أحوالكم معهم من أول عبادتكم لهم وإلى الآن : هل سمعوكم وقتاً ما ؟ ليكن ذلك مرجياً لكم لحصول نفع منهم في وقت ما.
ولما كان الإنسان قد يعكف على الشيء - وهو غير سامع - لكن لنفعه له في نفسه أو ضره لعدوه كالنار مثلاً، وكان محط حال العابد والداعي بالقصد الول بالذات جلب النفع، قال :( أو ينفعوكم ) أي على العبادة كما ينفع اق شيء تقتنونه ) أو يضرون ( على الترك :( قالوا ( : لا والله ليس عندهم شيء من ذلك ) بل وجدنا آباءنا كذلك ( اي مثل فعلنا هذا العالي الشأن، ثم صوروا حالة آبائهم في نفوسهم تعظيماً لأمرهم فقالوا :( يفعلون ) أي فنحن نفعل كما فعلوا لأنهم حقيقون منا بأن لا نخالفهم، مع سبقهم لنا إلى الوجود، فهم أرصن منا عقولاً، وأعظم تجربة، فلولا أنهم رأوا ذلك حسناًن ما واظبوا عليه، هذا مع أنهم لو سلكوا طريقاً حسية حصل لهم منها ضرر حسي ما سلكوها قط، ولكن هذا الدين يهون على الناس فيه التقليد بالباطل قديماً وحديثاً.
ولما وصلوا إلى التقليد المخض الخالي عن أدنى نظر كما تفعل البهائهم والطير في تبعها لأولها ) قال ( معرضاً عن جواب كلامهم بنقص، إشارة إلى أنه ساقط لا يرتضيه