صفحة رقم ٣٧٠
ينحي عن هوله، فدل صنيعه على أن تقديم الثناء على السؤال أمر مهم، وله في الإجابة أثر عظيم، فقالملتفتاً إلى مقام المشاهدة إشارة إلى أن الأمر مهول، وأنه لا ينقذ من خطره إلا عظيم القدرة، لما طبعت عليه النفس من النقائص :( رب ) أي أيها المحسن إليّ ) هب لي حكماً ) أي عملاً متقناً بالعلم، وأصله بناء الشيء على ما توجبه الحكمة، ولما كان الاعتماد إنما هو على محض الكرم، فإن من نوقش الحساب عذب، قال :( وألحقني بالصالحين ) أي الذين جعلتهم أئمة للمتقين في الدنيا والآخرة، وهم من كتن قوله وفعله صافياً عن شوب فساد.
ولما كان الصالح قد لا يظهر عمله، وكان إظهار الله له مجلبة للدعاء وزيادة في الأجر، قال :( واجعل لي لسان صدق ) أي ذكراً جميلاً، وقبولاً عاماً، وثناء حسناً، بما أظهرت مني من خصال الخير ) في الآخرين ) أي الناس الذين يوجدون بعدي إلى يوم الدينن لأكون للمتقين إماماً، فيكون لي مثل أجورهم، فإن ( من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) وقد كان ذلك إجابة من الله تعالى لدعائه، ومن أعظمه أن جعله الله شجرة مباركة فرع منها الأنبياء الذين أحيى بهم عليهم الصلاة والسلام ذكره الذي من أعظمه ما كان على لسان أعظمهم النبي الأمي ( ﷺ ) من قوله :( صل على محمد كما صليت على إبراهيم ) إلى آخره.
ولما طلب سعادة الدنيان وكانت لا نفع لها إلا باتصالها بسعادة الآخرة التي هي الجنة، وكانت الجنة لا تنال إلا بمنه، لا بشيء من ذلك، ولذلك شبه إدخالها بالإرث الذي يحصل بغير اكتساب من الوارث وهو أقوى أسباب الملك، قال :( واجعلني ) أي مع ذلك كله بفضلك ورحمتك ) من ورثة جنة النعيم (.
ولما دعا لنفسه، ثنى بأحق الخلق ببره فقال :( واغفر لأبي ( ثم علل دعاءه بقوله :( إنه كان ( في ايام حياته ) من الضالين ( والظاهر أن هذا كان قل معرفته بتأييد شقائه، ولذلك قال :( ولا تخزني ) أي تهني بموته على ما يوجب دخوله النار ولا بغير ذلك ) يوم يبعثون ( اي هؤلاء المنكرون للبعث، وكأن هذا الدعاء كان