صفحة رقم ٣٧٣
القريب قال :( حميم ) أي قريب، وأصله المصافي الذي يحرقه ما يحرقك، لأنا قاطعنا بذلك كل من له أمر في هذا اليوم ؛ وأفرد تعميماً للنفي وإشارة إلى قلته في حد ذاته أو عدمه.
ولما وقعوا في هذا الهلاك، وانتفى عنهم الخلاص، تسبب عنه تمنيهم المحال فقالوا :( فلو لنا كرة ) أي رجعة إلى الدنيا ) فنكون من المؤمنين ) أي الذين صار الإيمان لهم وصفاً لازماً، فأزلفت لهم الجنة.
ولما كان في هذه القصة أعظم زاجراً عن الشرك، وآمر بالإيمان، نبه على ذلك بقوله :( إن في ذلك ( اي هذا الأمر العظيم الذي قصصته ن قول إبراهيم عليه السلام في إقامة البرهان على إبطال الأوثان، ونصب الدليل على أنه لا حق إلا الملك الجليل الديان، وتغيبه وترهيبه وإرشاده إلى التزود في أيام المهلة ) لآية ) أي عظيمة على بطلان اباطل وحقوق الحق ) وما ( اي والحال أنه ما ) كان أكثرهم ) أي الذين شهدوا منه هذا الأمر العظيم والذين سمعوه عنه ) المؤمنين ( اي بحيث صار الإيمان صفة لهم ثابتة، وفي ذلك أعظم تسلية للنبي ( ﷺ ) بأعظم آبائه عليهم الصلاة والسلام ) وإن ربك ) أي المحسن إليك بإرسالك وهداية الأمة بك ) لهو عزيز ) أي القادر على إيقاع النقمة بكل من خالفه حين يخالفه ) الرحيم ) أي الفاعل فعل الراحم في إمهاله العصاة مع إدرار النعم، ودفع النقم، وإرسال الرسل، ونصب الشرائع، لبيان ما يرضاه ليتبع، وما يسخطه ليتجنب، فلا يهلك إلا بعد إقامة الحجة بإيضاح المحجة.
ولما أتم سبحانه قصة الب الأعظم الأقرب، أتبعها - دلالة على وصفي العزة والرحمة - قصة الأب الثاني، مقدماً لها على غيرها، لما له من القدم في الزمان، إعلاماً بأن البلاء قديم، ولأنها أدل على صفتي الرحمة والنقمة التي أثر العزة بطول الإملاء لهم على طول مدتهم، ثم تعميم النقمة مع كونهم جميع أهل الأرض فقال :( كذبت ( بإثبات التاء اختياراً للتأنيث - وأن كان تذكير القوم أشهر - للتنبيه على أن فعلهم أخس الأفعال، أو إلى أنهم مع عتوهم وكثرتهم كانوا عليه سبحانه أهون شيء واضعفه بحيث جعلهم هباء منثوراً وكذا من بعدهم ) قوم نوح ( وهو أهل الأرض كلهم من الآدميين قبل اختلاف الأمم بتفرق اللغات ) المرسلين ( اي بتكذيبهم نوحاً عليه السلام، لأنه أقام الدليل على نبوته بالمعجزة، ومن كذب بمعجزة واحدة فقد كذب الكل لأن الآخر جاء بما جاء به الأول - حكاه عنه البغوي.
ولقصد التسلية عبر بالتكذيب في كل قصة ) إذ ( أي


الصفحة التالية
Icon