صفحة رقم ٣٧٥
ونحوها من الآيات، بأن ) قالوا ) أي قومه، منكرين لاتباعه استناداً إلى داء الكبر الذي ينشأ منه بطر الحق وغمط الناس - أي احتقارهم :( أنؤمن لك ) أي لأجل قولك هذا وما أثبته أوصافك ) و ( الحال أنه قد ) اتبعك الأرذلون ) أي المؤخرون في الحال والمآل، والأحوال والأفعال، فيكون إيماننا بك سبباً لاستوائنا معهم، فلو طردتهم لم يكن لنا عذر في التخلف عنك، ولا مانع من اتباعك، فكان ما متعوا به من العرض الفاني مانعاً لهم عن السعادة الباقية، وأما الضعفاء فانكسار قلوبهم وخلوّها عن شاغل موجبٌ لإقبالها على الخير وقبولها له، لأن الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم، وهكذا قالت قريش في أصحاب النبي ( ﷺ )، وما زالت أتباع الرسل كذلك حتى صارت من سماتهم وأماراتهم كما قال هرقل في سؤاله عن أتباعالنبي ( ﷺ )، فكان مثال المستكبرين مثال شخص كان آخر دونه بدرجة، فأصبح فوقه بدرجة، فأنف من أن يرتقي إلى درجته لئلا يساويه، ورضي لنفسه أن يكون دونه، فما اسخف عقله وما أكثر جهله فلا شيء أبين من هذا في أن التقدم في الأمور الدنيوية داء لا دواء له إلا إماتة النفس بالتبرؤ منه والبعد عنه.
ولما كانت الجواهر متساوية في أنها مخلوقات الله، وإنما تتشرف بآثارها، فالآدمي إنما يشرف أو يرذل بحالة من قاله وفعاله، أشار إلى أنه يعتبر ما هم عليه الآن من الأحوال الرفيعة، والأوصاف البديعة، فلذلك ) قال ( نافياً لعلمه بما قالوه في صورة استفهام إنكاري :( وما ) أي وأيّ شيء ) علمي بما كانوا يعلمون ) أي قبل أن يتبعوني، أي وما لي وللبحث عن ذلك، إ، ما لي ظاهرهم ان وهو خير ظاهر، فهم الأشرفون وإن كانوا أفقر الناس وأخسّهم نسباً، فإن الغني غني الدين، ولانسب نسب التقوى ؛ ثم أكد أنه لا يبحث عن بواطنهم بقوله :( إن ( اي ما ) حسابهم ) أي في الماضي والآتي ) إلا على ربي ( المحس وتعرف بواطنهم، لأنه المختص بضبط جميع الأعمال والحساب عليها ) لو تشعرون ( اي لو كان لكم نوع شعور لعلمتم ذلك فلم تقولوا ما قلتم مما هو دائر على أمور الدنيا فقط، ولا نظر له إلى يوم الحساب.
ولما أفهم قوله رد ما أفهمه قولهم من طردهم، صرح به في قوله :( وما ) أي ولست ) أنا بطارد المؤمنين ) أي الذين صار الإيمان لهم وصفاً راسخاً فلم يرتدوا عنه للطمع في إيمانكم ولا لغيره من اتباع شهواتكم ؛ ثم علل ذلك بقوله :( إن ) أي ما ) أنا إلا نذير ( اي محذر، لا وكيل مناقش على البواطن، ولا متعنت على الاتباع ) مبين ( أوضح ما أرسلت به فلا أدع فيه لبساً.


الصفحة التالية
Icon