صفحة رقم ٣٨٤
ولما أثبت الداعي إلى طاعته، نفى الناهي عنها فقال :( وما أسئلكم عليه ) أي الدعاء إلى الله ) من أجر ) أي فتتهموني بسببه ؛ ونفى سؤاله لغيرهم من الخلائق بتخصيصه بالخالق فقال :( إن ) أي ما ) أجري إلا على رب العالمين ) أي المحسن إليهم بإيجادهم ثم تربيتهم.
فلما وجدوا المتقضي لاتباعه وانتفى المانع، أنكر عليهم ما يوجب عذابهم من إيثارهم شهوة الفرج المخرج لهم إلى ما صاروا به سبة في الخلق فقال موبخاُ مقرعاً بياناً لتفاحش فعلهم وعظمة :( أتاتون ( اي إتيان المعصية ) الذكران ( ولعلهم كانوا يفعلون بالذكور من غير الآدميين توغلاً في الشر وتجاهراً بالتهتك لقوله :( من العالمين ) أي كلهم، أو يكون المعنى : من بين الخلائق، اي أنكم اختصصتم بإتيان الذكران، لم يفعل هذا الفعل غيركم من الناكحين من الخلق ) وتذرون ) أي تتركون لهذا الغرض ) ما خلق لكم ) أي النكاح ) ربكم ( المحسن إليكم ) من أزواجكم ) أي وهن الإناث، على أن ( من ) لبيان، ويجوز أن تكون مبغضةن ويكون المخلوق كذلك هو القبل.
ولما كانوا كأنهم قالوا : نحن لم نترك أزواجنا، حملاً لقوله على الترك أصلاً ورأساً وإن كانوا قد فهما أن مراده تركهن حال الفعل في الذكور، قال مضرباً عن مقالهم هذا المعلوم تقديره لما ارادوه به، حيدة عن الحق، وتمادياً في الفجور :( بل أنتم قوم عادون ( اي تركتم الأزوتج بتعدي الفعل بهن وتجاوزه إلى الفعل بالذكران، وليس ذلك ببدع من أمركم، فإن العدوان - الذي هو مجاوزة الحد في الشر - وصف لكم أنتم عريقون فيه، فلذلك لا تقفون عند حد حده الله تعالى.
فلما اتضح الحق، وعرف المراد، وكان غريباً عندهم، وتشوف السامع إلى جوابهم، استؤنف الإخبار عنه، فقيل إعلاماً بانقطاعهم وأنهم عارفون أنه لا وجه لهم في ذلك أصلاً لعدولهم غلى الفحش :( قالوا ( مقسمين :( لئن لم تنته ( وسموه باسمه جفاء غلظة فقالوا :( يا لوط ( عن مثل إنكارك هذا علينا.
ولما كان لما له من العظمة بالنبوة والأفعال الشريفة التي توجب إجلاله وغنكار كل من يسمعهم أنيخرج مثله، زادوا في التأكيد فقالوا :( لتكونن من المخرجين ( اي ممن أخرجناه من بلدنا على وجه فظيع تصير مشهوراً به بينهم.
إشارة إلى أنه غريب عندهم، وأن عادتهم المستمرة نفي من اعتراض عليهمن وكان قصدهم بذلك أن يكونوا هم المتولين لإخراجه إهانة له للاستراحة منه، فكان إخراجه، لكن إخراج إكرام للاستراحة منهم والنجاة من عذابهم بتولي الملائكة الكرام ) قال ( اي جواباً لهم :( إني ( مؤكداً لمضمون ما يأتي به ) لعملكم ( ولم يقلك قال بل زاد في التأكيد بقوله :( من