صفحة رقم ٣٩٨
ولما كانت النذارة إنما هي للمتولين، أمر بضدها لأضدادهم فقال :( واخفض جناحك ) أي لن غاية اللين، وذلك لأن الطائر إذا أراد أن يرتفه رفع جناحيه، فإذا اراد أن ينحط كسرهما وخفضهما، فجعل ذلك مثلاً في التواضع ) لمن اتبعك ( ولعله احترز بالتعبير بصيغة الافتعال عن مثل أبي طالب ممن لم يؤمن أو آمن ظاهراً وكان منافقاً أو ضعيفاً بالإيمان فاسقاً ؛ وحقق المراد بقوله :( من المؤمنين ) أي الذين صار الإيمان لهمصفة راسخة سواء كانوا من الأقربين أو الأبعدين.
ولما أفهم ذلك أن هذا الحكم عام في جميع أحوالهم، فصل بقوله :( فإن عصوك ) أي هم فغيرهم من باب الأولى ) فقل ( اي تاركاً لكا كنت لما كنت تعاملهم به حال الإيمان من اللين :( إني بريء ) أي منفصل غاية الانفصال ) مما تعملون ) أي من العصيان الذي أنذر منه القرآن، وخص المؤمنين إعلاء لمقامهم، بالزيادة في إكرامهم، ليؤذن ذلك المزلزل بالعلم بحاله فيحثه ذلك على اللحاق بهم.
ولما أعلمت هذه الآية بمنابذة من عصى ككائناً من كان ولو كان ممن ظهر منه الرسوخ في الإيمان، لما يرى منه من عظيم الإذعان، أتبعه قوله :( وتوكل ) أي في عصمتك ونجاتك والإقبال بالمنذرين إلى الطاعة، وقراءة أهل المدينة والشام بالفاء السببية أدل على ذلك ) على العزيز ) أي القادر على الدفع عنكم والانتقام منهم ) الرحيم ( اي المرجو لإكرام الجميع برفع المخالفة والشحناء، والإسعاد بالاستعمال فيما يرضيه ؛ ثم أتبع الأمر بالتوكل الوصف بما يقتضي الكفاية في كل ما ينوب من دفع الضر وجلب النفع، وذلك هو العلم المحيط المقتضي لجميع أوصاف الكمال، فقال :( الذي يراك ( اي بصراً وعلماً ) حين تقوم ( من نومك من فرشك تاركاً لحبك، لأجل رضا ربك ) و ( يرى ) تقلبك ( في الصلاة ساجداً وقائماً ) في الساجدين ( اي المصلين من أتباعك المؤمنين، لكم دوي بالقرآن ادوي النحل، وتضرع من خوف الله، ودعاء وزفرات تصاعد وبكاء، اي فهو جدير لإقبالكم عليه، وخضوعكم بين يديه، بأن يحبوكم بكل ما يسركم.
الشعراء :( ٢٢٠ - ٢٢٧ ) إنه هو السميع.....
) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ( ( )