صفحة رقم ٤٠٣
كان ابن عباس رضي الله عنهما ينشد الشعر ويستنشده في المسجد، وروى الإمام أمحد حديث كعب هذا، وروى النسائي برجال احتج بهم ميلم عن أنس رضي الله عنهما أن النبي ( ﷺ ) قال :( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.
) قال البغوي : وروي أنه - أي عباس رضي الله عنهما دعا عمر بن أبي ربيعة المخزومي فاستنشهده القصيدة التي قالها :
أمن آل نعمتي أنت غاد فمبكر غداة غد أم رائح فمهجر
وهي قريب من تسعين بيتاً، فلما فرغها أعادها ابن عباس وكان حفظها بمرة واحدة، ويكفي الشاعر في التفصي عن ذم هذه الآية له أن لا يغلب عليه الشعر فيشغله عن الذكر حتى يكون من الغاوين، وليس ن شرطه أن لا يكون في شعره هزل أصلاً، فقد كان حسان رضي الله تعالى عنه ينشد النبي ( ﷺ ) مثل قوله في قصيدة طويلة مدحه ( ﷺ ) فيها :
كأن سيبئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماء إذا ما الأشربات ذكرن يوماً فهن لطيب الراح الفداء نوليها الملامة إن ألمنا إذا ما كان مغث أو لحاء ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً ما ينهنهنا اللقاء
وقد كان تحريم الخمر سنة ثلاث من الهجرة أو سنة أربع، وهذه القصيدة قالها حسان رضي الله تعالى عنه في الفتح سنة ثمان أو في عمرة القضاء سنة سبع، فهي مما يقول الشاعر ما لا يفعل.
ولما عرف سبحانه بحال المستثنين في الذكر الذي هو أساس كل أمر، اتبعه ما حملهم على الشعر من الظلم الذي رجاهم النصر فقال :( وانتصروا ) أي كلفوا أنفسهم أسباب النصر بشعرهم فيمن آذاهم ) من بعد ما ظلموا ( اي وقع ظلم الظالم لهم بهجو ونحوه.
ولما أباح سبحانه الانتصار من الظالمن وكان البادىء - إذا اقتصر المجيب على جوابه - أظلم، كان - إذا تجاوز - جديراً بأن يعتدي فيندم، حذر الله الاثنين مؤكداً للوعيد بالسين في قوله الذي كان السلف الصالح يتواعظون به لأنك لا تجد أهيب منه، ولا أهول ولا أوجع لقلوب المتأملين، ولا أصدع لأكباد المتدبرين :( وسيعلم ( وبالتعميم في قوله :( الذين ظلموا ) أي كلهم من كانوا، وبالتهويل بالإبهام في قوله :( أي منقلب ) أي في الدنيا والاخرة ) ينقلبون ( وقد انعطف آخرها - كما ترى بوصف الكتاب المبين بما وصف به الجلالة والعظم بأنه من عند الله متنزلاً به خير