صفحة رقم ٤٠٩
وأحكمهم ) لتلقى القرآن ( اي تجعل متلقياً له من الملك، وحذف هنا الواسطة وبناه للمفعول إعلاء له.
ولما كانت الأمور التي من عند الله تارة تكون على مقتضى الحكمة فتسند إلى أسبابها، وأخرى خارقة للعادة فتنسب إليه سبحانه، والخارقة تارة تكون في أول رتب الغرابة فيعبر عنها بعند، تارة تكون في أعلاها فيعبر عنها بلدان، نبه سبحانه على أن هذا القرآن في الذروة نم ا لغرابة في أنواع الخوارق فقال :( من لدن (.
ولما مضى في آخر الشعراء ما تقدم من الحكم الجمة في تنزيله بهذا اللسان.
وعلى قلب سيد ولد عدنان، بواسطة الروح الأمين، مبايناً لأحوال الشياطين، إلى غير ذلك مما مضى إلى أن ختمت بتهديد الظالمين، وكان الظالم إلى الحكمة أحوج منه إلى مطلق العلم، وقدم في هذه أنه هدى، وكان الهادي لا يقتدي به ولا يوثق بهدايته إلا إن كان في علمه حكيماً، اقتضى السياق تقديم وصف الحكمة، واقتضى الحال التنكير لمزيد التعظيم فقال :( حكيم ) أي بالغ الحكمة، فلا شيء من أفعاله إلا وهو في غاية الإتقان ) عليم ) أي عظيم العلم واسعة تامة شاملة، فهو بعيد جدا عما ادعوه فيه من أنه كلام الخلق الذي لا علم لهم واسعة تامة شامله، فهو بعيد جداً عما ادعوه فيه من الخلق عن الإتيان بشيء من مثله، وإدراك شيء من مغازيه حق إدراكه.
ولما وصفه بتمام الحكمة وشمول العلم، دل على كل من الوصفين، وعلى إبانه القرآن وما له من العظمة التي أشار أليها أول السورة بما يأتي في السورة منا لقصص وغيرها، واقتصر في هذه السورة على هذه القصص لما بينها من عظيم التناسب المناسب لمقصود السورة، فابتدىء بقصة أجمع فيها الأباعد على الكفران فأهلكوا، والأقارب على الإيمان فأنجوا، وثنى بقصة أجمع فيها الباعد على الإيمان، لم يتخلف منهم إنسان، وثلث بأخرى حصل بين الأقارب فيها الفرقان، باقتسام الكفر والإيمان، وختم بقصة تمالأ الأباعد فيها على العصيان، وأصروا على الكفران، فابتلعتهم الأرض ثم غطوا بالماء كما بلغ الأولين الماء فكان فيه التواء.
ولما كان تعلق ( إذ ) باذكر من ا لوضوح في حد لا يخفى على أحد، قال دالاً على حكمته وعلمه :( إذ ( طاوياً لمتعلقه لوضوح أمره فصار كأنه ) قال ( : اذكر حكمته وعلمه حين قال :( موسى لأهله ) أي زوجة وهو راجع من مدين إلى مصر، قيل : ولم يكن معه غيرها :( إني آنست ) أي ابصرت إبصاراً حصل لي الأنس، وأزال عني الوحسة والنوس ) ناراً ( فعلم بما في هذه القصة من الأفعال المحكمة المنبئة عن تمام العلم اتصافه بالوصفين علماً مشاهداً، وقدم ما الحكمة فيه أظهر لاقتضاء الحال التأمين من نقص ما يؤمر به من الأفعال.


الصفحة التالية
Icon