صفحة رقم ٤١٠
ولما كان كأنه قيل : فماذا تصنع ؟ قال آتياً بضمير المذكر المجموع للتعبير عن الزوجة المذكورة بلفظ ( الأهل ) الصالح للمذكر والجمع صيانة لها وستراً.
جازماً بالوعد للتعبير بالخير الشامل للهدى وغيره، فكان تعلق الرجاء به أقوى من تعلقه بخصوص كونه هدى، ولأن مقصود السورة يرجع إلى العلم، فكان الأليق به الجزم، ولذا عبر بالشهاب الهادي لأولي الألباب :( سآتيكم ( اي بوعد صادق وإن ابطات ) منها بخبر ) أي ولعل بعضه يكون مما نهتدي به في هذا الظلام إلى الطريق، وكان قد ضلها ) أو أتيكم بشهاب ) أي شعلة من نار ساطعة ) قبس ) أي عود جاف مأخوذ من معظم النار فهو بحيث قد استحكمت فيه النار فلا ينطفىء ؛ وقال البغوي : وقال بعضهم : الشهاب شيء ذو نور مثل العمود، والعرب تسمي كل أبيض ذي نور شهاباً، والقبس : القطعة من النار.
فقراءة الكوفيين بالتنوين على البدل أو الوصف، وقراءة غيرهم بالإضافة، لأن القبس أخص.
وعلل إتيانه بذلك إفهاماً لأنها ليله باردة بقوله :( لعلكم تصطلون ) أي لتكونوا في حال من يرجى أن يستدفىء بذلك أي يجد به الدفء لوصوله معي فيه النار، وآذن بقرب وصوله فقال :( فلما جاءها ) أي تلك التي ظنها ناراً.
ولما كان البيان بعد الإبهام أعظم، لما فيه من التشويق والتهيئة للفهم، بني للمفعول قوله :( نودي ( اي من قبل الله تعالى.
ولما أبهم المنادى فتشوقت النفوس إلى بيانه، وكان البيان بالإشارة أعظم.
لما فيه من توجه النفس إلى الاستدلال، نبه سبحانه عليه بجعل الكلام على طريقة كلام القادرين، إعلاماً بأنه الملك الأعلى فقال بانياً للمعفول، آتياً بأداة التفسير، لأن النداء بمعنى القول :( أن بورك ) أي ثبت تثبيتاً يحصل منه من النماء والطهارة وجميع الخيرات ما لا يوصف ) من في النار ) أي بقعتها، أو طلبها وهو طلب بمعنى الدعاء، العبارة تدل على أن الشجرة كانت كبيرة وأنها لما دنا منها بعدت منه النار إلى بعض جوانبها فتبعها، فلما توسط الردحة أحاط به النور، وسمي النور ناراً على ما كان في ظن موسى عليه الصلاة والسلام، وقال سعيد بن جبير : بل كانت ناراً كما رأى موسى عليه السلام، والنار منحجب الله كما في الحديث :( حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) ) ومن حولها ( من جميع الملائكة عليهم السلام وتلك الأراضي المقدسة على ما أراد الله في ذلك الوقت وفي غيره وحق لتلك الأراضي أن تكون كذلك لأنها مبعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومهبط الوحي عليهم وكفاتهم أحياء وأمواتاً.


الصفحة التالية
Icon