صفحة رقم ٤١٧
الناس، فإنهم يطيقون ما يريدون ويطيقهم من يريدهم، ومنه الوزع وهو كف ما يراد كفه، والولوع بما يزاد، ومنه الإيعاز - للتقدم بالأمر والنهي، والزوع للجذب، ويلزمها أيضاً الحاجة فإنه لا يرضى بها دون الجديد إلا محتاج، فمعنى الآية : اجعلني وازعاً - أي مطيقاً - أن أشكرها كما يطيق الوازع كف ما يريد كفه، ويمكن أن يكون مدار المادة الحاجة لأن الأوازع - وهم الجماعات - يحتاجون إلى الجتماع جملةن والكاف محتاج إلى امتثال ما يكفه لأمره، والجاذب محتاج إلى الزوع أي الجذب، والمولع بالشيء فقير إليه، والموعز محتاج إلى قبول وصيته، فالمعنى : اجعلني وازعاً أي فقيراً إلى الشكر، أي ملازماً له مولعاً به، لأن كل فقير إلى شيء مجتهد في تحصيله، ويلزم على هذا التخريج احتقار العمل، فيكون سبباً للأمن من الإعجاب، وفي الآية تنبيه على بر الوالدين في سؤال القيام عنهم بما لم يبلغاه من الشكر - والله الموفق.
والشكر في اللغة فعل ينبىء عن تعظيم المنعم لكونه منعماً كالثناء على المنعم بما يدل على أن الشاكر قد عرف نعمته واعترف له بها وحسن موقعها عنده، وخضع قلبه له لذلك، وحاصله أنه اسم لمعرفة النعمة واعترف لأنها السبيل إلى معرفة المنعم فإنه إذا عرفها تسبب في التعرف إليه، فسلك طريق التعرف وجد في الطلب، ومن جدَّ وجد، ويروى عن داود عليه الصلاة والسلام أنه قال : يا رب كيف أشكرك والشكر نعمة آخرى منك أحتاج عليها إلى شكر آخر ؟ فأوحى الله تعالى إليه : يا داود إذا علمت أن ما بك من نعمة فمني فقد شكرتني.
والشكر ثلاثة أشياء : الأول معرفة النعمة بمعنى إحضارها في الخاطر بحيث يتميز عندك أنها نعمة، فرب جاهل يحسن إليه وينعم عليه وهو لا يدري، فلا جرم أنه لا يصح منه الشكر.
والثاني : قبول النعمة بمعنى بتلقيها من المنعم بإظهار الفقر والفاقة، فإن ذلك شاهد بقبولها حقيقة، والثالث : الثناء بها بأن تصف المنعم بالجود والكرم ونحوه مما يدل على حسن تلقيك لها واعترافك بنزول مقامك في الرتبة عن مقامه، فإن اليد العليا خير من اليد السفلى، وهو على ثلاث درجات : الأولى الشكر على المحاب أي الأشياء المحبوبة، وهذا شكر تشارك فيه المثبتون المسلمون واليهود والنصارى والمجوس، فإن الكل يعتقدون أن الإحسان الواصل من ا لرحمن واجب معرفته على الإنسان، ومن سعة بر البارىء سبحانه وتعالى أن عده شكراً مع كونه واجباً على الشاكر.
ووعد عليه الزيادة، وأوجب فيه المثوبة إحساناً ولطفاً.
الثانية : الشكر في المكاره، وهو إما من رجل لا يمييز بين الحالات، بل يستوي عنده المكروه والمحبوب، فإذا نزل به المكروه شكر الله عليه بمعنى أنه أظهر الرضا بنزوله به، وهذا مقام الرضا، وإما من رجل يميز بين الأحوال فهو لا يحب المكروه ولا يرضى بنزوله، فإن نزل به مكروه فشكره عليه