صفحة رقم ٤١٨
إنما هو كظم الغيظ وستر الشكوى وإن كان باطنه شاكياً، والكظم إنما هو لرعاية الأدب بالسلوك في مسلك العلم، فإنه يأمر العبد بالشكر في السراء والضراء والثالثة : أن لا يشهد العبد إلا المنعم باشتغاله بالاستغراق في مشاهدته عن مشاهدة النعمة، وهذا الشهودعلى ثلاثة أقسام : أحدها أن يستغرق فيها عبودة، فيكون مشاهداً له مشاهدة العبد للسيد بأدب العبيد إذا حضروا بين يدي سيدهم، فإنهم ينسون ما هم فيه من الجاه والقرب الذي ما حصل لغيرهم، باستغراقهم في الأدب، وملاحظتهم لسيدهم خوفاً من أن يسير إليهم في أمر فيجدهم غافلين، وهذا أمر معروف عند من صحب الملوك.
فصاحب هذا الحال إذ أنعم عليه سيده في هذه الحالة، مع قيامه في حقيقة ا لعبودة، استعظم الإحسان، لأن العبودة توجب عليه أن يستضغر نفسه.
ثانيها أن يشهد سيده شهود محبة غالبة، فهو هذا الاستغراق فيه، يستحلي منه الشدة، وقد قال بعض عشاق حسن الصورة لا صورة الحسن فأحسن :
من لم يذق الحبيب كظلمه حلواً فقد جهل المحبة وادعى.
ثالثها : أن يشهد شهود تفريد التوية ويفني الرسم ويذهب الغيرية، فإذا وردت عليه النعمة أو الشدة كان مستغرقاً في الفناء فلم يحس بشيء منهما.
ولما علم من هذا كله أن الشاكر هو المستغرق في الثناء على المنعم بما يجب عليه من العمل من فناء أو غيره بحسب ما يقدر عليه، وكان ذلك عمل مما يجوز أن يكون زين لذلك العبد كونه حسناً وهو ليس كذلك، قال ( ﷺ ) مشيراً إلى هذا المعنى :( وأن أعمل صالحاً ) أي في نفس الأمر.
ولما كان العمل الصالح قد لا يرضي المنعم لنقص في العمل كما قيل في معنى ذلك :
إذا كان المحب قليل حظ فما حسناته إلا ذنوب
قال :( ترضاه (.
ولما كان العمل الصالح المرضي قد لا يعلي إلى درحة المرضي عنهم، لكون العامل منظوراً إليه بعين السخط، لكونه ممن سبق عليه الكتاب بالشقاء، لأن الملك المنعم تام الملك العظيم الملك فهو بحيث لا يسأل عما يفعل، قال معرضاً عن عمله معترفاً بعجزه، معلماً بأن ا لمنعم غني عن العمل وعن غيره، لا تضره معصية ولا ينفعه طاعة :( وأدخلني برحمتك ) أي لا بعملي ) ي عبادك الصالحين ) أي لما أردتهم له من تمام النعمة بالقرب والنظر إليهم بعين العفو والرحمة والرضا.