صفحة رقم ٤٢٩
بجميع ما آتانا الله علمه، ومنه أنه يخفى عليها ) من قبلها ) أي من قبل إتيانها، بأن عرشها يشتبه عليها، أو من قبل علمها بما ظنت من أمر عرشها، أو أنا وأسلافي من قبل وجودها، فنحن عريقون في العلم، فلذلك نحن على حقيقة من جميع أمورنا، وإنما قال :( ننظر أتهتدي ( بالنسبة إلى جنوده.
ثم ذكر السبب في وجود العلم واتساعه وثباته فقال :( وكنا ) أي مع العلم الذي هيأنا الله له بما جعل في غرائزنا من النورانية ) مسلمين ) أي خاضعين لله تعالى عريقين في ذلك مقبلين على جميع أوامره بالفعل على حسب أمره كما أشار أليه قوله تعالى :
٧٧ ( ) واتقوا الله ويعلمكم الله ( ) ٧
[ البقرة : ٢٨٢ ]،
٧٧ ( ) يهديهم ربهم بإيمانهم ( ) ٧
[ يونس : ٩ ].
ولماكان المعنى : وأما فإنها وإن أوتيت علماً فلم يكن ثابتاً، ولا كان معه دين، ترجمه بقوله :( وصدها ) أي هي عن كمال العلم كما صدها عن الدين ) ما ) أي المعبود الذي ) كانت ) أي كوناً ثابتاً في الزمن الماضي ) تعبد ) أي عبادة مبتدئة ) من دون الله ) أي غير الملك الأعلى الذي له الكمال كله أو أدنى رتبة من رتبته، وهي عبادة الشمس ليظهر الفرق بين حزب الله الحكيم العليم وحزب إبليس لسفيه الجهول.
ثم علل ذلك إشارة إلى عظيم نعمة الله عليه بالنعمة على أسلافه بقوله :( إنها ( وقرىء بالفتح على البدل منفاعل ( صد ) ) كانت من قوم ) أي ذوي بطش وقيام ) كافرين ) أي فكان ذلك سبباً - وإن كانت في غاية من وفور العقل وصفاء الذهن وقبول العلم كما دل عليه ظنها في عرشها، ما يهتدي له إلا من عنده قابلية الهدي - في اقتفائها لآثارهم في الدين، فصديت مرآة فكرها ونبت صوارم عقلها.
ولما تم ذلك، كان كأنه قيل : هل كان بعد ذلك اختبار ؟ فقيل : نعم ) قيل لها ) أي من قائل من جنود سليمان عليه السلام، فلم تمكنها المخالفة لما هناك من الهيبة بالملك والنبوة والدين :( ادخلي الصرح ( وهو قصر بناه قبل قدومها، وجلس في صدره، وجعل صحنه من الزجاج الأبيض الصافي، وأجرى تحته الماء، وجعل فيه دواب البحر، وأصله - كما قال في الجمع بين العباب والمحكم : بيت واحد يبني منفرداً ضخماًطويلاً في السماء، قال : وقيل : كل بناء متسع مرتفع، وقيل : هو القصر، وقيل : كل بناء عال مرتفع، والصرح : الألاض المملسة، وصرحة الدار ساحتها.
ودل على مبادرتها لامتثال الأمر وسرعة دخولها بالفاء فقال :( فلما رأته ( وعبر بما هو من الحسبان دلالة على أن عقلها وأن كان في غاية الرجاحة ناقص لعبادتها لغير الله فقال :( حسبته ) أي لشدة صفاء الزجاج واتصال الماء بسطحه الأسفل ) لجة ) أي غمرة عظيمة من ماء، فعزمت على خوضها إظهاراً لتمام الاستسلام ) وكشفت عن ساقيها (


الصفحة التالية
Icon