صفحة رقم ٤٣٢
وكثر القيل والقال والإرجاف، وحصلت لنا شدائد واعتساف، لأنا جعلناكم مثل الطائر الذي يمر من جهة الشمال - على ما يأتي في الصافات ) قال طائركم ) أي ما تيمنون به فيثمر ما يسركم، أو تتشاءمون به فينشأ عنه ما يسوءكم وهو عملكم من الخير أو الشر ) عند الله ) أي الملك الأعظم المحيط بكل شيء علماً وقدرة، وليس شيء منه بيد غيره ولا ينسب إليه، فإن شاء جعلنا سببه وإن شاء جعل غيرنا.
ولما كان معنى نسبته إلى الله أن هذا هذا الذي بكم الآن من الشر ليس منا، قال :( بل أنتم قوم تفتنون ) أي تختبرون من الملك الأعلى بما تنسبونه إلى الطير من الخير والشر، أي تعاملون به معاملة الاختبار هل تصلحون للخير بالرجوع عن الذنب فيخفف عنكم أو لا فتمحنوا.
ولماأخبر عن عامة هذا الفريق بالشر، أخبر عن شرهم بقوله :( وكان في المدينة ) أي مدينتهم الحجر من عظماء القرية وأعيانها ) تسعة رهط ( اي رجال، مقابلة لآيات موسى التسع.
ولما كان الرهط بمعنى القوم والرجال، أضيفت التسعة إليه، فكأنه قيل : تسعة رجال، وإن كان لقوم ورجال مخوصين، وهم ما بين الثلاثة أو السبعة إلى العشرة، وما دون التسعة فنفر، وقال في القاموس : إن النفر ما دون العشرة غير أنه يفهم التفرق، والرهط يفهم العظمة والشدة والاجتماع ) يفسدون ( وقال :( في الأرض ( إشارة إلى عموم فسادهم ودوامه.
ولما كان الكفرة كلهم مفسدين بالكفر، وكان بعضهم ربما كان يصلح في بعض أفعاله، بين أن هؤلاء ليسوا كذلك، بل هم شر محض فحقق خلوصهم للفساد بقوله مصرحاً بما أفهمته صيغة المضارع :( ولا يصلحون (.
ولما اقتضى السياق السؤال عن بيان بعض حالهم، أجاب بقوله :( قالوا تقاسموا ( أمر مما منه القسم، أي أوقعوا المقاسمة والمحالفة بينكم ) بالله ) أي الذي لا سمى له لما شاع من عظمته، وشمول إحاطته في علمه وقدرته، فليقل كل منكم عن نفسه ومن إشارة إلى أنكم كالجسد الواحد :( لنبيتنّه ) أي صالحاً ) وأهله ) أي لنهلكن الجميع ليلاً، فإن البيات مباغتة العدو ليلاً.
ولما كانت العادة جارية بأن المبيتين لا بد أن يبقى بعضهم، قالوا :( ثم لنقولن لوليّه ) أي المطالب بدمه إن بقي منهم أحد :( ما شهدنا ) أي حضرنا حضوراً تاماً ) مهلك ) أي هلاك ) أهله ) أي أهل ذلك الولي فضلاً عن أن نكون باشرنا، أو أهل