صفحة رقم ٤٤٥
من الجان، من أجواف الأوثان، وكانوا يسمون هذا غبياً وإن كان في الحقيقة ليس به لسماعهم له من السماء بعد ما أبرزه الله إلى عالم الشهادة للملائكة ومن يريد من عباده، وكانوا ربما تعنتوا به عن العبارة، وكانت الساعة قد ثبت امرها، وشاع في القرآن وعلى لسان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأصحابهم رضي الله تعالى عنهم ذكرها، بحيث صارت بمنزلة ما لا نزاع فيه، وكان علم وقتها من الغيب المحض، قال :( وما يشعرون ( اي أحد ممن في السماوات والأرض وإن اجتمعوا وتعاونوا ) أيان ) أي أيّ وقت ) يبعثون ( فمن أعلم بشيء من ذلك على الحقيقة بأن صدقه، ومن تخرص ظهر كذبه.
ولما كان النبي ( ﷺ ) قد بعث والكفر قد عم الأرض، وكانوا قد أكثروا في التكذيب بالساعة والقطع بالإنكار لها بعضهم صريحاً، وبعضهم لزوماً، لضلاله عن منهاج الرسل وكان الذي ينبغي للعالم الحكيم أن لا يقطع بالشيء إلأ بعد إحاطة علمه به، قال متهكماً بهم كما تقول لأجهل الناس : ما أعلمك استهزاء به مستدركاً لنفي شعورهم بها بياناً لكذبهم باضطراب قولهم :( بل ادّارك ) أي بلغ وتناهي ) علمهم في الآخرة ) أي أمرها مطلقاً : علم وقتها ومقدار عظمتها في هو لها وغير ذلك من نعتها لقطعهم بإنكارها وتمالؤهم عليه، وتنويع العبارات فيه، وتفريغ القول في أمره - هذا في قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وكذا في قراءة الباقين : ادّارك بمعنى تدارك يعني تتابع واستحكم.
ولما كانوا مع تصريحهم بالقطع في إنكارها كاذبين في قطعهم، مرنبكين في جهلهم، وقد يعبرون - دليلاً على أنه لا علم من ذلك عندهم - بالشك، قال تعالى :( بل هم في شك ( ولما كانت لشدة ظهورها لقوة أدلتها كأنها موجودة، عبر بمن، أي مبتدىء ) منها ( ولماكانوا يجزمون بنفيها تارة ويترددون أخرى، كانت حقيقة حال من ينكر الشيء تارة على سبيل القطع وأخرى وجه الشك الوصف بالجهل البالغ به قال :( بل هم ( ولما كان الإنسان مطبوعاً على نقائص موجبة لطغيانه، ومبالغته في العلو في جميع شأنه، ولا يوهن تلك النقائص منه إلا الخوف من عرضه على ديانه، الموجب لجهله.
وتماديه على قبيح فعله، فقال مقدماً للجار :( منها عمون ) أي ابتدأ عماهم البالغ الثابت من اضطرابهم في أمرها، فضلوا فأعماهم ضلالهم عن جميع ما ينفعهم، فصاروا لا يبتفعون بعقولهم، بل انعكس نفعها ضراً، وخيرها شراً، ونسب ما ذكر لجميع من في اسماوات والأرض، لأن فعل البعض قد يسند إلى الكل لغرض، وهو هنا التنبيه على عظمة هذا الأمر، وتناهي وصفه، وأنه يجب على الكل الاعتناء به، والوقوف على حقه، والتناهي عن باطله، أو لشك البعض وسكوت الباقي لقصد


الصفحة التالية
Icon