صفحة رقم ٤٥٠
هو ) العزيز ( فلا يرد له أمر ) العليم ( فلا يخفى عليه سر ولا جهر، فلما ثبت له العلم والحكمة، والعظمة والقدرة، تسبب عن ذلك قوله :( فتوكل على الله ) أي الذي له جميع العظمة بما ثبت علمه وقدرته التي أثبت بها أنك أعظم عباده الذين اصطفى في استهزاء الأعداء وغيره من مصادمتهم ومسالمتهم لتدع الأمور كلها إليه، وتستريح من تحمل المشاق، وثوقاً بنصره، وما أحسن قول قيس بن الخطيم وهو جاهلي :
متى ما تقد بالباطل الحق يأبه وأن تقد الأطوار بالحق تنقد
ثم علل ذلك حثاً على التحري في الأعمال، وفطماً لأهل الإبطال، عن تمني المحال، فقال :( إنك على الحق المبين ) أي البين في نفسه الموضح لغيره، فحقك لا يبطل ووضوحه لا يخفى، ونكوصهم ليس عن خلل في دعائك لهم، وإنما الخلل في مداركهم، فثق بالله في تدبير أمرك فيهم ؛ ثم علل هذا الذي أرشد السياق إلى تقديره، أو استأنف لمن يسأل متعجباً عن وقوفهم عن الحق الواضح بقوله :( إنك لا تسمع الموتى ) أي لا توجد سمعاً للذين هم كالموتى في عدم الانتفاع بمشاعرهم التي هي في غاية الصحة، وهم إذا سمعوا الآيات أعرضوا عنها.
ولما كان تشبيههم بالموتى مؤيساً، قال مرجياً :( ولا تسمع الصم الدعاء ) أي لا تجدد ذلك لهم، فشبههم بما في أصل خلقهم مما جبلوا عليه منالشكاسة وسوء الطبع بالصم.
ولما كانوا قد ضموا إلى ذلك الإعراض والنفرة فصاروا كالأصم المدبر، وكان الأصم إذا أقبل ربما بمساعدة بصره وفهمه، قال :( إذا ولو مدبرين ( فرجاه في إيجاد الإسماع إذا حصلت لهم حالة من الله تقبل بقلوبهم.
ولما شبههم بالصم في كونهم لا يسمعون إلا مع الإقبال، مثلهم بالعمى في أنهم لا يهتدون في غير عوج اصلاً إلا براع لا تشغله عنهم فترة ولا ملال، فقال :( وما أنت بهادي ) أي بموجد الهداية على الدوام في قلوب ) العمي ) أي في أبصارهم وبصائهم مزيلاً لهم وناقلاً ومبعداً ) عن ضلالتهم ( عن الطريق بحيث تحفظهم عن أن يزالوا عنها أصلاً، فإن هذا لا يقدر عليه إلا الحي القيوم، والسياق كما ترى يشعر بتنزيل كفرهم في ثلاث رتب : عليا ككفر أبي جهل، ووسطى كعتبة بن ربيعة، ودنيا كأبي طالب وبعض المنافقين، وسيأتي في سورة الروم لهذا مزيد بيان.
ولماكان ربما أوقف عن دعائهم، رجاه في انقيادهم وارعوائهم بقوله :( إن ) أي ما ) تسمع ) أي سماع انتفاع على وجه الكمال، في كل حال ) إلا من يؤمن ( أي