صفحة رقم ٤٩٥
ولما نفى العلم بذلك بطريق الشهود، نفى سبب العلم بذلك فقال :( وما كنت ثاوياً ) أي مقيماً إقامة طويلة مع الملازمة بمدين ) في أهل مدين ) أي قوم شعيب عليه السلام ) تتلوا ( اي تقرأ علىسبيل القص للآثار والأخبار الحق ) عليهم آياتنا ( العظيمة، لتكون ممن يهتم بأمور الوحي وتتعرف دقيق أخباره، فيكون خبرهم وخبر موسى عليه الصلاة والسلام معهم وخبره بعد فراقه لهم من شأنك، لتوفر داعيتك حينئذ على تعرفه ) ولكنا كنا ( اي كوناً أزلياً ابدياً نسبته إلى جميع الأزمنة بما لنا من العظمة، على حد سواء ) مرسلين ) أي لنا صفة القدرة على الإرسال، فأرسلنا إلى كل نبي في وقته ثم أرسلنا غليك في هذا الزمان بأخبارهم وأخبار غيرهم اتنشرها في الناس، واضحة البيان سالمة من الإلباس، ولأنا شاهدين لذلك كله، لم يغب عنا شيء منه ولا كان إلا بأمرنا.
ولما نفى السبب المبدئي للعلم بذلك الإجمال ثم الفائي للعلم بتفصيل تلك الوقائع والأعمال، نفى السبب الفائي للعم بالأحكام ونصب الشريعة بما فيها من القصص والمواعظ والحلال والحرام والآصار والأغلال بقوله :( وما كنت بجانب الطو إذ ( أ يحين ) نادينا ( اي أوقعنا النداء لموسى عليه الصلاة والسلام فأعطيناه التوراة وأخبرناه بما لا يمكن الاطلاع عليه إلا من قبلنا أو قبله، ومن المشهور نك لم تطلع على شيء من ذلك من قبله، لأنك ما خالطت أحداً ممن حمل تلك الأخبار عن موسى عليه الصلاة والسلام، ولا أحد أحملهما عمن حملها عنه، ولكن ذلك كان إليك منا، وهو معنى قوله :( ولكن ( اي أنزلنا ما أردنا منه ومن غيره عليك وأوحينا إليك وأرسلناك به إلى الخلائق ) رحمة من ربك ( لك خصوصاً وللخلق عموماً ) لتنذر ( اي تحذر تحذيراً كبيراً ) قوماً ) أي أهل قوة ونجدة، ليس لهم عائق من أعمال الخير العظيمة، لا الإعراض عنك، وهم العرب، ومن في ذلك الزمان من الخلق ) ما آتاهم ( وعم المنفي بزيادة الجار في قوله :( من نذير ( اي منهم، وهم مقصودون بإرساله إليهم وإلا فقد أتتهم رسل موسى عليه السلام، ثم رسل عيسى عليه الصلاة والسلام، وإن صح أمر خالد بن سنان العبسي فيكون نبياً غير رسول، أو يكون رسولاً إلى قومه بني عبس خاصة، فدعاؤه لغيرهم إن وقع فمن باب الأمر بالمعروف عموماً، لا الإرسال خصوصاص، فيكون التقدير : نذير منهم عموماً، وزيادة الجار في قوله :( من قبلك ( تدل على الزمن القريب، وهو زمن الفترة، وأما ما قبل ذلك فقد كانوا فيه على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم إسماعيل عليه الصلاة والسلام ثم من بعدهم من صالحي ذريتهم إلى


الصفحة التالية
Icon