صفحة رقم ٤٩٧
أهل الدعوة من العرب وغيرهم تعنتاً كفراً به :( لولا أوتي ( من الآيات، أي هذا الآتي بما يزعم أنه الحق، وبني للمفعول لأن القصد مطلق الإيتاء لأنه الذي يترتب عليه مقصود الرسالة، مع أن المؤتى معلوم ) مثل ما أوتي موسى ) أي من اليد والعصا وغيرهما من الآيات التي لا قدر على إتيانها إلا القادر على كل شيء.
ولما كان الإتيان بمثل ما أتى به موسى عليه الصلاة والسلام لا يكون موجباً للإيمان على زعمهم إلا بأن يكون أعظم مما أتى به محمد ( ﷺ )، أو يكون الناس لم يتوقفوا في الإيمان به، وكان كل من الأمرين منتفياً بأن أهل زمانه كفرو به، وهو لما سألوا اليهود عن محمد ( ﷺ ) وأمروهم أن يمتحنوه بالروح وقصتي أهل ألكهف وذي القرنين وجاء في كل من ذلك بما لزمهم تصديقه، فامتنعوا وأصروا على كفرهم، وكان في ذلك كفرهم به وبموسى عليهما الصلاة والسلام، فعلم أن التقدير : الم يكفروا بما اتاعهم به من الآيات الباهرة مع أنه مثل ما أتى به موسى عليهما الصلاة والسلام، بل أعظم منه ) أولم يكفروا ) أي العرب ومن بلغتهم الدعوة من بني إسرائيل أو من يشاء الله منهم أو أبناء جنسهم ومن كان مثلهم في البشرية والعقل في زمن موسى عليه السلام ) بما أوتي موسى (.
ولما كان كل من إتيانه وكفرهم لم يستغرق زمان القبل، أثبت الجار فقال :( من قل ( اي من قبل مجيء الحق على لسان محمد ( ﷺ ) إليهم.
ولما كان كأنه قيل : ما كان كفرهم به ؟ قيل :( قالوا ) أي فرعون وقومه ومن كفر من بني إسرائيل كقارون ومن تبعه.
ولما كان قد تقدم هنا قريباً أن المظاهر له أخوه، فكان المراد واضحاً، أضمرهما فقال :( ساحران ) أي هو وأخوه ) تظاهرا ( اي أعان كل منهما صاحبه على سحره حتى صار سحرهما معجزاً فغلبا جميع السحرة، وتظاهر الساحرين من تزظاهر السحرين - على قراءة الكوفيين، ويجوز - وهو أقرب أن يكون الضمر لمحمد و موسى عليهما الصلاة والسلام، ولذلك لأنه روي أن قريشاً بعثت إلى يهود فسألوهم عن محمد ( ﷺ ) فأخبروهم أن نعته في كتابهم، فقالوا هذه المقالة، فيكون الكلام استئنافاً لجواب من كأنه قال : ما كان كفرهم بهما ؟ فقيل : قالوا - أي العرب : الرجلان ساحران، أو الكتابان سحران، ظاهر أحدهما اآخر مع علم كل ذي لب أن هذا القول زيف.
لأنه لو كان شرط إعجاز السحر التظاهر، لكان سحر فرعون أعظم إعجازاً، لأنه تظاهر عليه جميع سحرة بلاد مصر وعجزوا عن معارض ما أظهر موسى عليه الصلاة والسلام من آية العصا، وأما محمد ( ﷺ ) فقد دعا أهل الأرض من الجن والإنس إلى معارضة كتابه وأخبرهم أنهم