صفحة رقم ٥٠١
ولما ذكر أن السماح بما تضن النفوس به من فضول الأموال من أمارات الإيمان، أتبعه أن حزن ماتبذله اللسن من فضول الأقوال من علامات العرفان، فقال :( وإذا سمعوا اللغو ) أي ما لا ينفع في دين ولا دنيا منشتم وتكذيب وتعبير ونحوه ) أعرضوا عنه ( تكرماً عن الخنا ) وقالوا ) أي واعظاً وتسميعاً لقائله :( لنا ) أي خاصة ) أعمالنا ( لا تثابون على شيء منها ولا تعاقبون ) ولكم ) أي خاصة ) أعمالكم ( لا نطالب بشيء منها، فنحن لا نشتغل بالرد عليكم لأن ذمكم لنا لا ينقصنا شيئاً من أجرنا ولا الاشتغال برده ينقصنا.
ولما كان معنى هذا أنم سالمون منهم، صرحوا لهم به فقالوا :( سلام عليكم ) أي منا.
ولما جرت العادة با، مثل هذا لا يكسر اللاغي، ويرد الباغي، أشاروا لهم إلى قبح حالهم، رداً على ضلالهمن بقولهم تعليلاً لما مضى من مقالهم :( لا نبتغي ) أي لا نلكف ئأنفسنا أن نطلب ) الجاهلين ( اي نريد شيئاً من أحوالهم وأقوالهم، أو غير ذلك من خلالهم.
ولما كان من المعلوم أن نفس النبي صلة الله عليه وسلم لما جبلت عليه من الخير والمحبة لنفع جميع العباد، لا سيما العرب، لقربهم منه ( ﷺ )، لاسيبما أقربهم منه صلة للرحم تتأثر بسبق أهل الكتاب لقومه، وكان ربما ظن ظان أن عدم هدايتهم لتقصير في دعائه أو إرادته لذلك، وأنه لو أراد هدايتهم وأحبها، وعلق همته العلية بها لاهتدوان أجيب عن هذا بقوله تعالى في سياق التأكيد إظهاراً لصفة القدرة والكبرياء والعظمة :( إنك لا تهدي من أحببت ) أي نفسه أو هدايته بخلق الإيمان في قلبه، وإنما في يدك الهداية التي هي الإرشاد والبيان.
ولما كان ربما ظن من أجل الإخبار بتوصيل القول وتعليله ونحو ذلك من أشباهه أن شيئاً من أفعالهم يخرج عن القدرة، قال نافياً لهذا الظن مشيراً إلى الغلط في اعتقاده بقوله :( ولكن الله ( المتردي برداء الجلال والكبرياء والكمال وله الأمر كله ) يهدي من يشاء ( هدايته بالتوفيق إلى ما يرضيه ) وهو ) أي وحده ) أعلم بالمهتدين ) أي الذين هيأهم لتطلب الهدى عند خلقه لهم، فيكونوا عريقين في هسواء كانوا من أهل الكتاب أو العرب، أقارب كانوا أو أباعد، روى البخاري في التفسير عن سعيد بن المسيب عن أبيه رضي الله عنه :( قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ( ﷺ ) فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيره، فقال :( أي عم قل : لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله (، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله ( ﷺ ) بعرضها عليه ويعيدانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما


الصفحة التالية
Icon