صفحة رقم ٥١٢
الناجين من شر ذلك اليوم، الظافرين بجميع المراد، باستمرارهم على طاعتهم إلى الموت، وإنما لم يقطع له بالفلاح وإن كان مثل ذلك في محاري عادات الملوك قطعاً، إعلاماً بأ، ه لا يجب سبحانه شيء ليدوم حذره، ويتقي قضاؤه وقدره، فإن الكل منه.
ولماكان كأنه قيل : ما لأهل القسم الأول لا يتوخون النجا من ضيق ذلك البلا، إلى رحب هذا الرجا، وكان الجواب : ربك منعهم من ذلك، أو ما لم يقطع لأهل هذا القسم بالفلاح كما قطع لأهل القسمالأول بالشقاء ؟ وكان الجواب : إن ربك لا يجب عليه شيء عطف عليه إشارة إليه قوله ) وربك ) أي المحسن إليك، بموافقة من وافقك ومخالفة منخالفك لحكم كبار، دقت عن فهم أكثر الأفكار ) يخلق ما يشاء ( من الهدى الضلال وغيرهما، لأنه المالك المطلق لا مانع له من شيء من ذلك ) ويختار ) أي بوقع الاختيار، لما يشاء فيريد الكفر للأشرار، والإيمان للأبرار، لا اعتراض عليه، فربما ارتد أحد ممن أظهر المتاب، لما سبق عليه من الكتاب، فكان من أهل التباب فلا تأس علىمن فاتك كائناً من كان، واعلم أنه ما ضر إلا نفسه، ومن فاتنا يكفيه أنا نفوته.
ولما أفهم هذا أن غيره سبحانه إذا أراد شيئاً لم يكن إلا أن يوافق مراده تعالى، صرح به بقوله :( ما كان لهم الخيرة ) أي أن يفعلوا أو يفعل لهم كل ما يختارونه من إتيان الرسول بمثل ما أتىى به موسى عليه الصلاة والسلام أو غيره، اسم من الاختيار، يقام مقام المصدرن وهو أيضاً اسم المختار، فهو تعبير بالمسبب عن السبب لأنه إذا خلى عنه كان عقيماً فكان عدماً، قال الرازي في اللوامع : وفيه دليل على أن العبد في اختياره غير مختار، فلهذا أهل الرضى حطوا الرحال بين يدي ربهم، وسلموا الأمور إليه بصفاء التفويض، يعني فإن أمرهم أو نهاهم بادروا، وإن أصابهم بسهام المصائب العظام صابروا، وإن أعزهم أعزوا أنفسهم وأكرموا، وإن أذلهم رضول وسلموا، فلا يرضيهم إلا ما يرضيه، ولا يريدون لا ما يريده فيمضيه :
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متأخر عنه لا متقدم أجد الملامة في هواك لذيذة حباً لذكرك فليلمني اللوم أهنتني فأهنت نفسي صاغراً ما من يهون عليك ممن أكرم.
ولما كان إيقاع شيء على غير مراده نقصاً، وكان وقوع الشرك سفولاً وعجزاً، قال تعالى مشيراً إلى نتيجة هذه الآيات في نفي ذلك عنه :( سبحان الله ) أي تنزه الجامع لصفات الكمال عن أن يختار أحد شيئاً لا يريده فيص إليه أو يقع بوجه عليه ) وتعلى (