صفحة رقم ٥١٥
غيرها من خوف أو رجاء أو تعلق غرض من الأغراض ) جعل لكم الليل والنهار ( آيتين عظيمتين دبر فيهما وبهما جميع مصالحكم، وادخر معظم رحمته إلى الآخرة، ومحا آية الليل ) لتسكنوا من فضله ) أي فلا تسعوا في معاشكم ) و ( جعل آية النهار مبصرة ) لتبتغوا من فضله ( بأن تسعوا في معاشكم بجهدكم، فالآية من الاحتباك : ذكر أولاً السكون دليلاً على حذف السعي في ا لمعاش ثانياً، والابتغاء ثانياً دليلاً على حذف عدم السعي في المعاش أولاً.
ولما ذكر هذهالنعمة التي اسبغها من هذه الرحمة، وذكر علة جعله على الصفة المذكورة، ذكر علة أخرى هي المقصودة بالذات لنها نتيجة السمع والبصر اللذين، قدم الحث على استعمالهما فقال :( ولعلكم تشكرون ) أي وليكون حالكم حال من يرجى منه الشكر بما يتجدد لكم بتقبلها من النعم المتوالية المذكورة بالمنعم، وبما دبر لكم رفقاً بكم فيما كلفكم به في دار الأسباب من أمر المعاش والمعاد من الراحة بالسكون إثر ما أفادكم من الأرباح والمنح بالانتشار والتقلب، وأما الآخرة فلما كانت غير مبنية على الأسباب، وكان الجنة لا تعب فيها بوجه من الوجوه، كان لا حاجة فيها إلى الليل.
ولما ذكر ما للمفلح من الرجاء في بوم الجزاء، وأتبعه الإعلام بأن الهداية إلى الفلاح إنما هي به، ودل على ذلك إلى أن ذكر ايام الدنيا المشتملة على الليل والنهار على وجه دال على وحدانيته، معلم بالقدرة على البعث بعد الموت بتكرير إيجاد كل من الملومين بعد إعدامه وتكرير إماتة الناس بالنوم، ثم نشرهمباليقظة، وختم ذلك بالشكر إشارة إلى أنه سبب الفلاح، عاد إلى يوم الجزاء الذي تظهر فيه ثمرة ذلك كله، مقرعاً على الإشراك مع ظهور هذه الدلائل على التوحيد، وعدم شبهة قائمة على الشرك غير محض التقليد، فقال منبهاً على عجزهم عن البرهان عند استحاق البرهان في يوم التناد، لمحضر من الأشهاد، مع ما فيه من التأكيد للتهويل بالتكرير، والتاطيد للتهليل والتقرير :( ويوم يناديهم ) أي هؤلاء الذي يظنون أنهم معجزون ) فيقول ( بلسان الغضب والإخزاء والتوبيخ وقد جمعوا جمعاً :( أين شركاءي ( وكرر الإشارة إلى أن إشراكهم إنما هو بالاسم لا معنى فيه أصلاً فقال :( الذين كنتم ) أي بغاية جهدكم حتى صار لكم ذلك لمكة ) تزعمون ( بلا شبهة لكم في ذلك عند التحقق أصلاً.
ولما ذكر الدليل الأول من الدليل على إبطال الشركة أن الشركاء لم يستجيبوا لهم ولا كانت لهم قدرة على نصرهم ولا نصر أنفسهم، وكان ربما قيل : إن ذلك الشيء عب العجز، دل هنا على الإشراك لا سبهة دليل فقال صارفاً بقول إلى مظهر التكلم بأسلوب العظمة لأنه مجرد فعلا ) ونزعنا ) أي أفردنا بقوة وسطوة ) من كل أمة شهيداً ) أي وهو رسولهم، فشهد عليهم بأعمالهم وما كانوا فيه من الارتباك في أشراك الإشراك.