صفحة رقم ٥١٨
كذا، وفيه التعرض للسبب فقال :( إذ قال له ( وقال :( قومه ( إشارة إلى تناهي بغية بافتخاره وكبره على أقاربه الذين جرت العادة أن لا يغضب كلامهم ولا يؤرث التعزر عليهم ولا يحمل إلا على النصح والشفقة، وساغت نسبة القول للكل وإن كان القائل البعض، بدليل ما يأتي، إما عداً للساكت قائلاً لرضاه به لأنه مما لا ياباه أحد، وإما لأن أهل الخير هم الناس، ومن عداهم عدم :( لا تفرح ) أي لا تسر سروراً يحفر في قلبك فيتغلغل فيه فيحرقك إلى الأشر والمرح، فإن الفرح بالعرض الزائل يدل على الركون إليه، وذلك يدل على نسيان الآخرة، وذلك على غاية الجهل والطيش وقلة التأمل للعواقب، فيجر إلى المرح فيجر إلى الهلاك، قال الرزاي : ومن فرح بغير مفروح به استجلب حزناً لا انقضاء له، وعللوا نهيهم له بما يفهم أشد الشفقة والمحبة فقالوا مؤكدين لاستبعاد من يرى تواصل النعم السارة على أحد أن يكون غير محبوب :( إن الله ) أي الذي له صفات الكمال فلا شيء أجل منه، فبه ينبغي أن يفرح ) لا يحب ) أي لا يعامل معاملة المحبوب ) الفرحين ) أي الراسخين في الفرح بما يفنى، فإن فرحهم يدل على سفول الهمم.
ولما كان ترك الفرح سبباً للزهد، وهو سبب القرب إلى الله، كان كأن قيل : وازهد فيه إن الله يحب الزاهدين ) وابتغ ) أي اطلب طلباً تجهد نفسك فيه ) فيما آتاك الله ) أي الملك الأعظم الذي له الأمر كله من هذه الأموال حال تمكنك ) الدار الآخرة ( بإنفاقه فيما يحبه الله بحيث يكون ابتغاؤك ذلك مظروفاً له فيكون كالروح والمؤتى كالجسد ليكون حياً بذلك الابتغاء، فلا يكون منه شيء بغير حياة، فإن فعلك لذلك يذكرك أن هذه الدار دار قلعة وارتحال، وكل ما فيها إلى زوال، وذلك يوجب الزهد في جميع ما فيها من الأموال.
ولما كان ذلك شديد المشقة على النفوس مع ما فيه من شائبة الاتهام قالوا :( ولا تنس ) أي تترك ترك الناسي ) نصيبك من الدنيا ( ترك المنسي، بل استعمل المباحات من المآكل والملابس والمناكح والمساكن وما يلائمها، وليكن استعمالك لذلك كما دل عليه السياق من غير إسراف ولا مخيلة توجب ترك الاتصاف بالإنصاف ؛ وعن علي رضي الله عنه : ولا تنس صحتك وقوتك ونشاطك وغناك أن تطلب به الآخرة.
ولما أطلق له الاقتصاد في التمتع بالزاد، وكانت النفس مجبولة على الشره، فإذا أذن لها من الدنيا في نقير جعلته أكبر كبير، أتبعوا ذلك ما لعله يكف من شرهها فقالوا :( وأحسن ) أي أوقع الإحسان بدفع المال إلى المحاويج، والإنفاق في جميع الطاعات ) كما أحسن الله ) أي الجامع لصفات الكمال، المتردي برداء العظمة والجلال ) إليك ( بأن تعطي عطاء من لا يخاف الفقر كما أوسع عليك.