صفحة رقم ٥٢٠
بواطن الضمائر وخفايا السرائر فغني عن ذلك، فقال تعالى ذاكراً لحال المفعول وهو ) من ( :( ولا ) أي أهلكهم والحال أنهم لا سيألون هذا ألأصل، ولكنه قال :( يسأل ) أي من سائل ما ) عن ذنوبهم المجرمون ( فأظهر لإفادة أن الموجب للإهلاك الإجرام، وهو قطع ما ينبغي وصله بوصل ما ينبغي قطعه، ولهذا سبب وعقب عن وعظهم الحسن وجوابه الخشن قوله سبحانه دليلاً على إجرامه، وطغيانه في آثامه :( فخرج على قومه ) أي الذين ذكر حاله معظماً لها بقوله :( في زينته ) أي التي تناسب ما ذكرنا من أمواله، وتعاظمه في كماله من أفعاله وأقوله.
ولما كان كأنه قيل : ما قال قومه ؟ قيل :( قال الذين يريدون ) أي هم بحيث يتجدد منهم أن يريدوا ) الحياة الدنيا ( منهم لسفول الهمم وقصور النظر على الفاني، لكونهم أهل جهل وإن كان قولهم من باب الغبطة لا من الحسد الذي هو تمني زوال نعمة امحسود :( يا ليت لنا ) أي نتمنى تمنياً عظيماً أن نؤت من أيّ مؤت كان وعلى أيّ وجه كان ) مثل ما أوتي قارون ( من هذه الزينة وما تسببت عن من العلم، حتى لا نزال أصحاب أموال، ثم عظموها بقولهم مؤكدين لعلمهم أن من يريد الآخرة ينكر عليهم :( إنه لذو حظ ( اي نصيب وبخت في الدنيا ) عظيم ( بما أوتيه من العلم الذي كان سبباً له إلى جميع هذا المال، ودل على جهللهم وفضل العلم الرباني وحقارة ما أوتي قارون من المال والعلم الظاهر الذي أدى إليه باتباعه قوله :( وقال الذين ( وعظم الرغبة في العلم بالبناء للمفعول إشارة غلى انه نافع بكل اعتبار باعتبار الزهدن وبالتعبير عن أهل الزهد بع فقال :( أتوا العلم ) أي من قومه، فشرفت أنفسُهم عن إرادة الدنيا علماً بفنائها، زجراً لمن تمنى مثل حاله، وشمراً إلى الآخرة لبقائها :( ويلكم ) أي عجباً لكم، أو حل بكم الشر حلولاً، وأصل ويل، ( وي ) قال الفراء : جيء بلام الجر بعدها مفتوحة ما المضمر نحو وي لك، ووي له، أي عجباً لك وله، ثم خلط اللام بوي لكثرة الاستعمال حتى صارت كلام الكلمة فصار معرباً بإتمامه ثلاثياً، فجاز أن يخل بعدها لام أخرى في نحو ويلاً لك، لصيرورة الول لام الكلمة، ثم نقل إلى باب المبتدأ فقيل : ويل لك، وهو باق على ما كان عليه في حال النصب إذ الأصل في ويل لك : هلكت ويلاً، أي هلاكاً فرفعوه بعد حذف الفعل نفضاً لغبار الحدوث، وقيل : أصل ويل الدعاء بالهلاك، ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرتضى كما استعمل لا أبا لك وأصله الدعاء على الرجل في الحث على الفعل، فكأنهم قالوا : ما لنا يحل بنا الويل ؟ فأخبروهم بما ينبغي معرضين عما استحقوا به الويل من التمني،


الصفحة التالية
Icon