صفحة رقم ٥٣٠
البلد الذي ذكر في هذه السورة توطئة لهذه الآية أنه خرج منه خائفاً يتوقب وهي مصر إلى مدين في أطراف بلاد العرب، على وجه أهلك أعداءه، أما من كان نم غير قومه وغيرهم، كما خرجت أنت من بلدك مكة خائفاً تترقب إلى المدينة الشريفة غير أن رجوعك لكونك نبي الرحمة، وكون خروجك لم يكن مسبباً عن قتل أحد منهم لا يكون فيه هلاكهم، بل عزهم وأمنهم وغناهم وثباتهم، واختير لفظ القرآن دون الكتاب لما فيه من الجمع من لازم النشر كما مضى في الحجر، فناسب السياق الذي هو للنشر والحشر والفصل من بلده ثم الوصل، فإنه روى أن هذه الآية نزلت على النبي ( ﷺ ) في الجحفة وهي في طريق الهجرة.
ولما فهم من الإبلاغ في هذا التأكيد أن ثَم من يبالغ في النفي وافنكار على حسب هذا التأكيد في الإثبات فيقول : إن الأمر ليس كذلك، ولا يعود إلى مكة المشرفة ومنا عين تطرف، قال مهدداً على طريق الاستئناف على لسانه ( ﷺ ) لكون الإنكار تكذيباً له كما كذب موسى ( ﷺ ) حين أجاب بمثل ذلك كما تقدم :( قل ) أي لهؤلاء المنكرين لما أخبرتك به :( ربي ) أي المحسن إليّ ) أعلم ) أي من كل أحد.
ولما كانت هذه القصة مسلمة لا نزاع فيها لعاقل تثبت الخالق، وكانوا يقولون : من ادعى رجوعه فهو ضال، توجه السؤال عن المهتدي إلى الصواب والضال، بما يشهد به فتح مكة عند الإقبال في أؤلئك الضراغمة الأبطال، والسادة الأقيال، فقال في أسلوب الاستفهام لإظهار الإنصاف والإبعاد من الاتهام :( من جاء بالهدى ) أي الذي لا أبين منه، أنا فيما جئت به من ربي بهذا الكلام الذي يشهد الله لي بإعجازه أنه من عنده أم أنتم فيما تقولون من عند أنفسكم ؟ ) ومن هو في ضلال ) أي أنتم في كلامكم الظاهر العوار العظيم العار أن أنا ) مبين ) أي بين في نفسه مظهر لكل أحد ما فيه من خلل وإن اجتهد التابع له في ستره.
ولما كان الجواب لكل من أنصف : هم في ضلال مبين لأنهم ينحتون من عند أنفسهم ما لا دليل عليه، وأنت جئت بالهدى لأنك أتيت به عن الله، بني عليه قوله :( ما ( ويجوز أن تكون الجملة حالاً من الضمير في ) عليك ( وما بينهما اعتراض للاهتمام بالرد على المنكر للمعاد، اي فرضه عليك والحال أنك ما، ويجوز أن يقال : لما كان رجوعه إلى مكة غاية البعد لكثرة الكفار وقلة الأنصار، قربه بقوله معلماً أم كثيراً من الأمور تكون على غير رجاء، بل وعلى خلاف القياس : وما ) كنت ترجوا ) أي في سلاف الدهر بحال من الأحوال ) أن يلقى ( اي ينزل على وجه لم يقدر