صفحة رقم ٥٤١
ولما كان التقدير : أليس أولياؤنا المتفرسون بأحوالهم عالمين ؟ عطف عليه منكراً قوله :( أوليس الله ( الميحط بعلم الباطن كما هو محيط بعلم الظاهر ) بأعلم بما في صدور العالمين ) أي كلهم، منهم فلا يخفى عليه شيء من ذلك إخلاصاً كان أو نفقاً، بل هو أعلم من اصحاب الصدور بذلك.
ولما أنكر عدم العلم، صرح بالعلم واعداً متوعداً، عاطفاً عل ما افهمه السياق من نحو فقد علم الله جميع ما أخفوا وما أعلنوا :( وليعلمن الله ( اي المحيط علماً وقدرة في عالم الشهادة حتى ينكشف ذلك لديكم كما هو عالم به في عالم الغيب ) الذين آمنوا ( اي وقع منهم إيمان، وليعلمن المؤمنين إيماناً صادقاً بما يواليه عليهم من المحن، وهم لا يزدادون إلا تسليماُ ورضى، وأكده لما قدم من أن الناس حسبوا أنهم لا يفتنون ) وليعلمن ( الذي نافقوا وليعلمن ) المنافقين ( بمثل ذلك من الزلازل والفتن التي يميلون معها كيفما ميّلتهم، حتى يعلم كل من يه لب أنه لا إيمان لهم كما أنه لا أيمان لهم، ولا شك أنه يعامل كلاًّ من الفريقين بما يستحق على حسب ما يعلم من قبله، والآية من الاحتباك كما مضى عند ) وليعلمن الله الذين صدقوا (.
ولما كان السياق للفتنة والأذى في الله المحقق أمره بإذا دون ( أن ) وكان الكفار يفتنون من أسلم في أول الأمر، ذكر سبحانه بعض ما كانوا يقولون لهم عند الفتنة جهلاً بالله وغروراً، فقال معجباً منهم، عاطفاً على ) ومن الناس من يقول ( :( وقال الذين كفروا ( اغتراراً منهم بالله، وجرأة على حماه المنيع ) للذين ) أي لطائفة من يقول بلسانه : آمنا بالله، وهم الذين ) آمنوا ) أي حقيقة، جهلاً منهم بما خالط قلوبهم من بشاشة الإيمان، وأنوار العرفان :( اتبعوا ) أي كلفوا أنفسكم بأن تتبعوا ) سبيلنا ) أي طريق ديننا، وعطفوا وعدهم في مجازاتهم على ذلك بصيغة الأمر على أمرهم باتباعهم للدلالة على أنه محقق لا شك فيه فقالوا :( ولنحمل خطاياكم ( بوعد صادق وأمر محتوم جازم، إن كان ما تقولون حقاً إنه لا بد لنا من معاد نؤاخذ فيه بالخطايا، ولو دروا لعمري ما الخبر، يوم يقولون : لا مفر، ما عرضوا أنفسهم لهذا الخطر، يوم يود كل امرىء لو افتدى بماله وبنيه، وعرسه وأخيه، وصديقه وأبيه، ويكون كلامهم - وإن كان أمراً - بمعنى الخبر لأنه وعد كذبه سبحانه لأن مهناه : إ، كتب عليكم إثم حملناه عنكم بوعد لا خلف فيه ) وما هم ) أي الكفار ) بحاملين ( ظاهراً ولا باطناً ) من خطايكم ) أي المؤمنين ) من شيء ( وهم يقدرون أن لا يحملوا، أو حملاً يخفف عنهم العذاب، أي أنهم إذا عاينوا تلك الأحوال، وطاشت عقولهم في بحار هاتيك الأهوال، التي لا يقوم لها الجبال، تبرؤوا ممن قالوا له هذا المقال، فقد أخبروا بما لا يطابق


الصفحة التالية
Icon