صفحة رقم ٥٤٩
ولما ثبت ذلك، انتج لا محالة قوله : مهدداً بعد البيان الذي ليس بعده إلا بعده العناد :( يعذب ( بعدله ) من يشاء ) أي منكم ومن غيركم في الدنيا والآخرة، فلا يقدر أحد بشفاعة ولا غيرها على الحماية منه ) ويرحم ( بفضله ) من يشاء ( فلا يقدر أحد على أن يمسه بسوء ) وإليه ) أي وحده ) تقلبون ( اي بعد موتكم بأيسر سعي.
ولما لم يبق للقدرة على إعادتهم مانع يدعي إلا مما نعتهم منها، أبطلها على تقدير ادعائهم لها فقال :( وما أنتم ) أي أجمعون العرب وغيرهم ) بمعجزين ) أي بواقع إعجازهم في بعثكم وتعذيبكم ) في الأرض ( كيفما تقلبتم في ظاهرها وباطنها.
ولما كان الكلام هنا له أتم نظر غلى ما بعد البعث، وكانت الأحوال هناك خارجة عما يستقل به العقل، وكان أثر القدرة أتم وأكمل، وأهم وأشملن وكان بعض الأرواح يكون في السماء بعد الموت قال :( ولا في السماء ) أي لو فرض انكم وصلتم إليها بعد الموت بالحشر أو قبله، لأن الكل بعض ملكهن فكيف يعجزه من في ملكه، ويمكن أن يكون له نظر غلى قصة نمرود في بنائه الصرح الذي اراد به التوصل غلى السماء لا سيما والآيات مكتنفة بقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام من قبلها ومن بعدها.
ولما اخبرهم أنهم مقدور عليهم، وكان ربما بقي احتمال أن غيرهم ينصرهم، صرح بنفيه فقال :( وما لكم ( اي أجمعين أنتم وغيركم ايها المحشورون، وأشاتر إلى سفول رتبة كل من سواه بقوله :( من دون الله ) أي الذي هو أعظم من كل عظيم ؛ وأكد النفي بإثبات الجار فقال :( من ولي ( اي قريب يحميكم لأجل القرابة ) ولا نصير ( لشيء غير ذلك لأنه لا كفوء له.
ولما كان التقدير : فالين آمنوا بآيات ربهم ولقائه أولئك يرجون رحمتي وأرلئك لهم نعيم مقيم، وكان قد أمرهم بالاستدلال، وهددهم ليرجعوا عن الضلال، بم أبقى للرجال بعض المحال، اتبعه ما قطعه، فقال عاطفاً على ذلك المقدر :( والذين كفروا ) أي ستروا ما أظهرته لهم أنوار العقول ) بآيات الله ) أي دلائل الملك الأعظم المرئية والمسوعة التي لا أوضح منها ) ولقائه ( بالبعث بعد الموت الذي اخبر به وأقام الدليل على قدرته عليه بما لا أجلى منه ) أؤلئك ) أي البعداء البغضاء البعيدو الفهم المحطوطون عن رتبة الإنسان، بل رتبة مطلق الحيوان ) يئسوا ) أي تحقق يأسهم من الآن، بل من الأزل، لأنهم لم يرجوا لقاء الله يوماً ؛ ولا قال أحد منهم ) رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين (.
ولما كان أكثرهم متعنتاً، بين أن المتكلم بهذا الكلام، العالي عن متناول الأنام،


الصفحة التالية
Icon