صفحة رقم ٥٥٢
فقال معبراً بأداة البعد إشارة إلى عظيم ذلك اليوم، وإلى أنه جعل لهم في الحياة أمداً يمكنهم فيه السعي للتوقي من شر ذلك اليوم :( ثم يوم القيامة ( ساقه مساق ما لا نزاع فيه لما قام عليه من الأدلة ) يكفر بعضكم ببعض ( فينكر كل منهم محاشن أخيه، ويتبرأ منه بلعن الأتباع القادة، ولعن القادة الأتباع، وتنكرون كلكم عبادة الأوثان تارة إذا تحققتم أنها لا ضر ولا نفع لها، وتقرون بها أخرى طالبين نصرتها راجين منفعتها، وتنكر الأوثان عبادتكم وتجحد منفعتكم ) ويلعن بعضكم بعضاً ( على ما ذكر ) ومأواكم ( جميعاً أنتم والأوثان ) النار ( لتزيد في عذابكم ويزداد بغضكم لها ) وما لكم ( وأعرق في النفي فقال :( من ناصرين ( أصلاً يحمونكم منها، ويدخل في هذا كل من وافق أصحابه من أهل المعاصي أو البطالة على الرذائل ليعدوه حسن العشرة مهذب الأخلاق لطيف الذات، أو خوفاً من أن يصفوه بكثافة الطبع وسء الصحبة، ولقد عم هذا لعمري أهل الزمان ليوصفوا بموافاة الإخوان ومصافاة الخلان، معرضين عن رضى الملك الديان.
ولما كان في سياق الابتلاء، وذكر من الأنبياء من طال ابتلاؤهن بين أنه لم يكن لهم من أممهم تابع يقدر على نصرهم، وأن الله سبحانه تولى كفايتهم فلم يقدر واحد على إهلاكهم، وأهلك أعدائهم، فلم يكن لهم من ناصرين فقال :( فآمن ( اي لأجل دعائه له مع ما رأى من الآيات ) لوط ) أي ابن أخيه هاران وحده، وهو أول من صدقه من الرجال ) وقال ) أي غبراهيم عليهما لاصلاةوالسلام مؤكداً لما هو جدير بالإنكار من الهجرة لصعوبتها :( إني مهاجر ) أي خارج من أرضي وعشيرتي على وجه الهجر لهم فمنتقل ومنحاز ) إلى ربي ) أي إلى أرض ليس بها أنيس ولا عشير، ولا من ترجى نصرته، ولا من تنفع مودته، فحينئذ يتبين الرضى بالله وحده، والاعتماد عليه دون ما سواه، فهاجر من كوثى من سواد الكوفة إلى حران ثم منها إلى الأرض المقدسة، فكانت له هجرتان، وهو أول من هاجر في الله، قال مقاتل : وكان إذ ذاك ابن خمس وسبعين سنة.
ثم علل ذلك بما يسليه عن فراق أرضه وأهل وده من ذوي رحمة وأنسابه وأولى قربه، فقال مؤكداً تسكيناً لمن عساه يتبعه وتهويناً عليه لفراق ما ألقت النفوس من أنه لا عز إلا به من العشائر والأموال والمعارف :( إنه هو ) أي وحده ) العزيز ) أي فهو جدير بإعزاز من انقطع إليه ) الحكيم ( فهو إذا أز أحداً منعته حكمته من التعرض له بإذلال، بفعل أو مقال، كما صنع بي حين اراد إذلالي من كان جديراً بإعزازي من عشيرتي وأهل قربى، وبالغ في أذاي ممن كان حقيقاً بنفعي من ذوي رحمي وحبي.


الصفحة التالية
Icon