صفحة رقم ٥٦٠
العظمة لئلا يوهم الإسناد في هذه إليه صوتاً ليوقع في مصيبة التشبيه ) الصيحة ( التي تظهر شدتها الريح الحاملة لها الموافقة لقصدها فترجف لعظمتها الأرض كمدين وثمود ) ومنهم من ( وأعاد أسلوب العظمة الماضي لسلامة من الإيهام المذكور في الصيحة وللتنبيه على أنه لا يقدر عليه غير الله سبحانه ففيه من الدلالة على عظمته ما يقصر عنه الوصف فقال :( خسفنا به الأرض ( بأن غيبناه فيها كقارون وجماعته ) ومنهم من أغرقنا ( بالغمر في الماء كقوم نوح وفرعون وجنوده، وعذاب قوم لوط صالحٌ للعد في الإغراق والعد في الخسف، فتارة نهلك بريح تقذف بالحجارة من السماء كقوم لوط، أو من الأرض كعاد، وأخرى بريح تقرع بالصرخة الأسماع فتزلزل القلوب والبقاع، ومرة نبيد بالغمس في الكثيف وكرة بالغمر في اللطيف - فللّه درّ الناظرين في هذه الأوامر النافذة، والمتفكرين في هذه الأقضية الماضية، ليعلموا حقيقة قوله ) وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ( - الآية.
ولما كان ذلك ربما جر لأهل التعنت شيئاً مما اعتادوه في عنادهم قال :( وماكان الله ( اي الذي لا شيء من الجلال والكمال إلا هو وله ) ليظلمهم ) أي مريداً ليعاملهم معاملة الظالم الذي يعاقب من لا جرم له، أو من أجرم ولم يتقدم إليه بالنهي عن إجرامه ليكف فيسلم، أو يتمادى فيهلك لأنه لا نفع يصل إليه سبحانه من إهلاكهم، ولا ضرر يلحقه عز شأنه من إيفائهم ) ولكن كانوا ( اي هم لا غيرهم ) أنفسهم ( لا غيرها ) يظلمون ( بارتكابهم ما أخبرناهم غير مرة أنه يغضبنا وأنا نأخذ من يفعله، فلم يقبلوا النصح مع عجزهم، ولا خافوا العقوبة على ضعفهم، وأما ما عبدوه ورجوا نصره لهم وأملوه فأضعف منهم، ولكون شيء منه لم يغن عن أحد منم شيئاً فلم تختل سنة الله في أوليائه وأعدائه في قرن من القرون ولا عصر من العصور، بل جرت على أقوم نظام، واتقن إحكام، وصل بذلك قوله تعالى على وجه الاستنساخ :( مثل الذين (.
ولما كان دعاء غير الله مخالفاً لقويم العقل، وصريح النقل، وسليم الفطرة وصصحيح الفكرة فكان ذلك يحتاج إلى تدرب غلى الجلافة، وتطبع في الكثافة، قال :( اتخذوا ( اي تكلفوا أن أخذوا.
ولما كانت الرتب تحت رتبته سبحانه لا تحصى، وكل الرتب دون رتبته، قال منبهاً على ذلك بالجار :( من دون الله ) أي الذي لا كفوء له، فرضوا بالدون، عوضاً عمن لا تكفيه الأوهام والظنون ) أولياء ( ينصرونهم بزعمهم من معبودات وغيرها، في الضعف والوهي ) كمثل العنكبوت ( الدابة المعروفة ذات الأرجل الكثيرة الطوال ؛ ثم استأنف ذكر وجه الشبه وعبر عنها بالتأنيث وإن كانت تقال بالتذكير تعظيماً لضعفها،


الصفحة التالية
Icon