صفحة رقم ٥٨٠
جهنم، وكان من المعلوم أنهم يقولون عناداً : ليس الأمر كذلك، قال إنكاراً عليهم، ولأن فعلهم فعل المنكر، وتقريراً لهم لأن همزة الإنكار إذا دخلت عل النفي كانت للتقرير، عدّاً به بمنزلة ما لا نزاع فيه أصلاً :( أليس في جنهم مثوى ) أي منزل وموضع إقامة وحبس له وقد ارتكب هذا الكفر العظيم - هكذا الأصل، ولكنه لقصد التعميم وتعليق الفعل بالوصف قال :( للكافرين ( اي الذين يغطون أنوار الحق الواضح، أو ليس هو من الكافرين ؟ أي إن كلاًّ من المقدمتين صحيح لا إنكار فيه، ولا ينتظم إنكارهم إلا بإفساد إحديهما، أكا كفره للمنعم بعد إنجائه من الهلاك حيث عبد غيره فلا يسع عاقلاً إنكاره، وأما كون جهنم تسعة بعد إخبار القادر به فلا يسع مقراً بالقدرة إنكاراه، فالمقدمتان مما لا مطعن فيه عندهم، فأنتجتا أن مثواه جهنم، وصار القياس هكذا : عابد غير من أنجاه كافر، وكل كافر مثواه جهنم، فعابد غير من أنجاه مثواه جهنم.
ولما كان هذا كله في الذين فتنوا فلم يجاهدوا أنفسهم، كان المعنى : فالذين فتناهم فوجدوا كاذبين ضلوا فصاروا لا يعقلون ولا يعلمون، لكونهم لم يكونوا من المجاهدين، فعطف عليه قوله :( والذين جاهدوا ( اي أوقعلوا الجهاد بغاية جهدهم على ما دل عليه بالمفاعلة ) فينا ) أي بسبب حقنا ومراقبتنا خاصة بلزوم الطاعات من جهاد الكفار وغيرهم من كل ما ينبغي الجهاد فيه بالقول والفعل في الشدة والرخاء، ومخالفة الهوى عند هجوم الفتن، وشدائد المحن، مستحضرين لعظمتنا.
ولما كان الكفار ينكرون فلاحهم وكان المفلح والظافر في كل شيء و المهتدي، قال معبراً بالسبب عن المسبب :( لنهديهم ( بما نجعل لهم من النور الذي لا يضل من صحبه، هداية يليق بعظمتنا ) سبلنا ) أي لا سبل غيرها، علماً وعملاً، ونكون معهم بلطفنا ومعونتنا، لأنهم أحسنوا المجاهدة فهنيئاً لمن قاتل في سبيل الله ولو فواق ناقة لهذه الآية وقوله تعالى ) والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ) [ محمد : ٤ ]، ولهذا كان سفيان بن عيينة يقول : إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الغزو.
ولما كان المحسن كلما توفر حظه في مقام الإحسان نقص حظه من الدنيا، فظن الأغبياء أنه ليس لله به عناية، عظم التأكيد في قوله، لافتاً الكلام عن أسلوب الجلال إلى أجلّ عنه بما زاد من الجمال ) وإن الله ) أي بعظمته وجلاله وكبريائه الحكم بالوصف والتعميم فأظهر قائلاً :( لمع المحسنين ) أي كلهم بالنصر والمعونة في دنياهم،


الصفحة التالية
Icon