صفحة رقم ٥٩٥
قال : يوم الحديبية، ولولا ولاية يلبيه ما صح إلا أحدهما، إن في ذلك لعبرة، هذا إن عددنا آحاد السنين، وإن عددناها مئات فهو في بضع منها، فإنه في المائة التاسعة كما اشار إليه الأستاذ أبو الحكم عبد السلام بن برجان في تفسيره فقال : حكمة الله جل ذكره في دوئر التقدير أن يرجع فيها أواخر الكلم عن أوائلها، ومن الدوائر مقدرةن ومنها موسعة على مقدرا مشيئة الله فيها وبها، ولما اخبر الله تعالى عن الروم أنهم غلبوا في أدنى الأرض وهي بلد الشام، كان إخباراً منه عما يكون - والله أعلم - وبشارة بشر بها رسول الله ( ﷺ ) والمؤمنين أن ذلك سيكون، يعني أن معنى ( غلبت ) مبنياً للمفعول إن كان بالنسبة غلى فارس كان المعنى وقع غلبها، وإن كان بالنسبة للمسلمين كان المعنى : قرب زمان غلبها على أيدي المسلمينن ثم قال : فكان ذلك في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، غلبهم في بلاد الشام، و استخرج بيت المقدس عن أيديهم.
والبضع من الثلاث إلى التسع، وكان نزول هذه السورة بمكة فكان ذلك داخل بضع أسابيع سنين على رأس عشرين إلى ثمان وعشرين سنة، ثم لم يزل الفتح بعد ذلك يتصل ويتسع إلى نهاية سبقت في التقدير، ثم ذكر عود التقدير باستيلاء الروم على بعض أطراف الشام ثم باستنقاذ المسلمين ذلك منهم، ونظر إلى ذلك تارة بحسب الأسابيع وتارة بحسب آحاد المئات، وتارة بغير ذلك، وصحح وقوعه في البضع بالغالبية والمغلوبية مرة بعد أخرى، وهو من بدائع الأنظار، ودقائق الأسرار الكبار.
ولما كان تغليب ملك على ملك من الأمور الهائلة، وكان الإخبار به قبل كونه أهول، ذكر علة ذلك فقال :( لله ) أي وحده ) الأمر ( ولما افهم السياق العناية بالروم، فكان ربما توهم أن غلب فارس لهم في تلك الواقعة وتأخير نصرهم إلى البضع ربما كان لمانع لم يقدر على إزالته، نفى ذلك بإثبات الجار المفيد لأن أمره تعالى مبتدىء من الزمن الذي كان قبل غلبهم حتى لم تغلبهم فارس إلا به، وهو مبتدىء من الزمن الذي بعده، فالتأخير به لا بغيره، لحكمة دبرها سبحانه فقال :( من قبل ) أي قبل دولة أهل فارس على الروم ثم دولة الروم على فارس، لا إلى غاية تكون مبدأ لاختصاصه بالأمور فيه سبحانه غلبوهم ) ومن بعد ) أي بعد دولة الروم عليهم ودولتهم على الروم لا إلى غاية فيه أيضاً غلبهم الروم، فحذف المضاف إليه هو الذي أفهم أن زمن غلبة فارس لهم وما بعده من البضع مذكور دخوله في أمر مرتين.
ولما أخبر بهذه المعجزة، تلاها بمعجزة أخرى، وهو أن أهل الإسلام لا يكون لهم ما يهمهم فيسرون بنصره فقال :( يومئذ ) أي إذ تغلب الروم على فارس ) يفرح المؤمنون ) أي العريقون في هذا الوصف من أتباع محمد ( ﷺ ) ) بنصر الله ) أي الذي لا


الصفحة التالية
Icon