صفحة رقم ٦٠٦
الأخرى، جزاء لهم بجنس عملهم، فنهم كما أساؤوا الرسل ساءهم الملك ؛ ثم ذكر العلة بقوله :( ن كذبوا ( اي لأجل تكذيبهم الرسل، مستهينين ) بآيات الله ) أي الدلالات المنسوبة غلى الملك الأعلى الذي له الكمال كله الدالة عليه على عظمها بعظمه ) وكانوا ) أي كوناً كأنه جبلة لهم ) بها ( مع كونها أبعد شيء عن الهزء ) يستهزئون ) أي يستمرون على ذلك بتجديده في كل حين مع تعظيمه حتى كان استهزاؤهم بغيرها كأن عدم، كما أنكم أنتم تكذبون بما وقع من الوعد في أمر الروم وتستهزئون به فاحذروا أن يحل بكم ما حل بالأولين، ثم تردون إليه سبحانه فيعذبكم العذاب الأكبر، ويجوز أن يكون هذا بدلاص من ( السُّوأَى ) أو بياناً لها بمعنى أنهم لما أساؤوا زادتهم إساءتهم عماوة حتى ارتكسوا في العمى فوصلوا إلى التكذيب والاستهزاء الذي هو أقبح الحالات، عكس ما يجازي به المؤمن من أنه يزداد بإيمانه هدى.
ولما كان حاصل ما مضى أنه سبحانه وتعالى قادر على الإعادة كما قدر على الابتداءن وكان للتصريح مع النفس حالة ليست لغيره، قال ذاكراً نتيجة ما مضى ومحصله تصريحاً بالمقصود وتلخيصاً للدليل :( الله ) أي المحيط علماً وقدرة ) يبدؤاْ الخلق ) أي بدا منه ما رأيتم وهو يجدد في كل حين ما يريد من ذلك كما تشاهدون ) ثم يعيده ( بعد ما يبيده، وترك توكيده إشارة إلىأنه غني عنه لأنه من القضايا المسلمة أن من اخترع شيئاً كان لا محالة قادراً على إعادته.
ولما كان الجزاء امراً مهولاً، أشار إليه بأداة التراخي فقال :( ثم إليه ) أي لا إلى غيره ) ترجعون ( معنى في أموركم كلها في الدنيا وإن كنتم لقصور النظر تنسبونها إلى الأسباب، وحسا بعد قيام الساعة، وقراءةا لجماعة بالالتفات إلى الخطاب أبلغ لأنها أنص على المقصود، وقرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وروح عن يعقوب بالياء التحتانية على النسق الماضي.
ولما ذكر الرجوع، أتبعه بعض أحوزاله فقال :( ويوم تقوم الساعة ( سميت بذلك إشارة إلى عظيم القدرة عليها مع كثرة الخلائق على ما فيهم من العظماء وزالكبراء والرؤساء ) يبلس ( اي يسكت ويسكن يأساً وتحيراً على غاية الذل - بما أشار إليه تذكير الفعل امع التجدد والاستمرار بما أومأ إليه المضارع ) المجرمون ( الذين وصلوا من الدنيا ما من حقه أن يقطع لفنائه، وقطعوا من أسباب الآخرة مامن حقه أن يوصل لبقائه، وكانوا في غاية اللبس في الجدل ومعرفة كل ما يغيظ الخصم من القول والفعل والتمايل والتضاحك عند سكوت الخصم تعجباً من جريانهم في هذيانهم سروراً منهم بإسكاته ليظن بعض من رآه أنه انقطع وأن الحجة لهم.


الصفحة التالية
Icon