صفحة رقم ٦٠٨
تهويله بقوله :( يومئذ يتفرقون ) أي المؤمنون الذين يفرحون بنصر الله والكافرون فرقة لا اجتماع بعدها، هؤلاء في عليين، وهؤلاء في أسفل سافلين.
حكى لي بعض القضاة نم أصحابي - عفا الله عنه - وهو يبكي انهرأى مناماً مهولاً، وذلك أنه رأى القيامة قد قامت، والناس يحشرون - على ما وصف في الأحاديث - في صعيد واحد عرايا خائفين حائرين، يموج بعضهم في بعض، فإذا شخص مما له أمر قد اشار بسوط معه وخط به في الأرض فقسمهم قسمين فقال : هؤلاء مطيعون وهؤلاء عصاة الأفعال، قال : فكنت في عصاة الأفعال، ثم غاب في الحال عنا عصاة الأقوال، فلم نر منهمأحداً وبقينا نحن منا الجالس ومنا المضطجع، ونحن قليل بالنسبة غلى عصاة الأقوال، فبينا نحن كذلك إذ جاء آتٍ إلى شخص إلى جانبي فأخذه منكعبه ثم نشطه فأخرج جلده بمرة واحدة كأنه جراب نزع عن شيء فيه يابس، فحصل لي من ذلك ذعر شديد فبينا أنا كذلك إذ آتٍ جاءني من ورائي، فألقى عليّ جوخة فجعلها على أكتافي وأدارها على أفخاذي فسترني بها ولكن على غير هيئة لبس المخيط، قال : واستيقظت وأنا على ذلك فقصصته على بعض الصالحين فقالك أحمد الله على كونك من عصاة الأفعال، وأخذ من ستري بالجوخة علىتلك الهيئة أني أحج، فبشرني بذلك فحججت في ذلك العام - والله تعالى المسؤول في التوبة، فإنه الفعّال لما يريد ) فأما الذين آمنوا ( اي أقروا بالإيمان بألسنتهم ) وعملوا ( تصديقاً لإقرارهم ) الصالحات ) أي كلها.
ولما تقدم هنا ذكر عمارة الأرض وإصلاحها للنبات ووعظ من جعلها أكبر همه بأنها لم تدم له ولا أغنت عنه شيئاً، ذكر أنه جزى من أعرض عنها بقلبه لاتباع أمره سبحانه أعهظم ما يرى من زهرتها ونضرتها وبهجتها على سبيل الدوام فقال :( فهم ) أي خاصة ) في روضة ) أي لا أقل منها وهي أرض عظيمة جداً منبسطة واسعة ذات ماء غذق ونبات معجب بهج - هذا أصلها في اللغة وقال الطبري : ولا تجد أحسن منظراً ولا أطيب نشراً من الرياض.
) يحبرون ( اي يسيرون على سبيل التجدد كل وقت سروراً تشرق له الوجوه، وتبسم الأفواه، وتزهو العيون، فيظهر حسنها وبهجتها، فتظهر النعمة بظهور آتارها على أسهل الوجوه وأيسرها.
قال الرازي في اللوامع : وأصله - أي الحبرة - في اللغة أثر في حسن، وقال غيره : حبره - إذا سره سروراً تهلل له وجهه، وظهر فيه أثره.
) وأما الذين كفروا ) أي غطوا ما كشفته أنوار العقول، ) وكذبوا ( عناداً ) بآياتنا ( التي لا تصدق منها ولا أضوأ من أنوارها، بما لها من عظمتنا ) ولقآءى الآخرة ( الذي