صفحة رقم ٦١٣
تقديم الجار دلالة على حرمة التزوج من غير النوع، والتعبير بالنفس اظهر في كونها من بدن الرجل في قوله :( من أنفسكم ( اي جنسكم بعد إيجادها من ذات ابيكم آدم عليه السلام ) أزواجاً ( إناثاً هن شفع لكم ) لتسكنوا ( مائلين ) إليها ( بالشهوة والألفة، من قولهم : سكن إليه - إذا مال وانقطع واطمأن إليه، ولم يجعلهما من غير جنسكم لئلا تنتفروا منها.
ولما كان المقصود بالسكن لا ينتظم إلا بدوام الألفة قال :( وجعل ( اي صير بسبب الخلق على هذه الصفة ) بينكم مودة ( اي معنى من المعاني يوجب أن لا يحب واحد من الزوجين أن يصل إلى صاحبه شيء يكرهه مع ما طبع عليه الإنسان من محبة الأذى، وإنما كان هذا معناه لأن مادة ( ودد ) مستوياً ومقلوباً تدور على الاتساع والخلو من الدو والدوية بتشديد الواو وهي الفلاة، والود والوداد قال ي القاموس : الحب، وقال أبو عبد الله القزاز ونقله عنه الإمام عبد الحق في واعيه : الأمنيةن تقول وددت أن ذاك كان، وذاك لاتساع مذاهب الأماني، وتشعب اودية الحب، وفي القاموس : ودان : قرية قرب الأبواء وجبل طويل قرب فيد، والمودة : الكتاب - لاتساع الكلام فيه.
وقال الإمام أبو الحسن الحرالي في شرح الأسماء الحسنى : الود خلو عن إرادة المكروه، فإذا حصل إرادة الخير وإيثاره كان حياً، من لم يرد سواه فقد ود ومن أراد خيراً فقد أحب، والود أول التخلص من داء أثر الدنيا بما يتولد لطلابها من الازدحام عليها من الغل والشحناء، وذلك ظهور لما يتهياً له من طيب الحب، فمن ود لا يقاطع، ومن أحب واصل وآثر، والودود هو المبرأ من جميع جهات مداخل السور ظاهره وباطنه.
ولما كان المعنى الحسن لا يتم إلا بإرادة الخير قال :( ورحمة ) أي معنى يحمل كلاًّ على أن يجتهد للآخر في جلب الخير، ودفع الضير، لكن لما كانت إرادة الخير قد تكون بالمن ببعض ما يكره جمع بين الوصفين، وهما من الله، والفرك - وهو البغض - من الشيطان.
ولما كان ذلك من العظمة بمكان يجل عن الوصف، اشار إليه بقوله مؤكداً لمعاملتهم له بالإعراض عما يهدي إليه معاملة من يدعي أنه جعل سدى من غير حكمة، مقدماً الجار إشارة إلى أن دلالته في العظم بحيث تتلاشى عندها كل آية، وكذا غيره مما ان هكذا علىنحو
٧٧ ( ) وما نريهم من آية إلا وهي أكبر من أختها ( ) ٧
[ الزخرف : ٤٨ ] :( إن في ذلك ( اي الذي تقدم من خلق الأزواج على الحال المذكور وما يتبعه من المنافع ) لآيات ( واضحات على قدرة فاعلة وحكمته.
ولما كان هذا المعنى مع كونه دقيقاً يدرك بالتأمل قال :( لقوم ) أي رجال أو في


الصفحة التالية
Icon