صفحة رقم ٦٢٣
( ﷺ ) أن الله تعالى قد كتب أهل الجنة وأهلالنار، فلا يزاد فيهم ولا ينقص، قالوا : أفلا نتكل على كتابا وندع العمل ؟ فالكتاب حجة عليهم، لأن مبناه على أن فلاناً من أهل النار لكونه لم يعمل كذا وكذا، فأرادوا أن يجعلوه حجة لهم فاعلموا أن في ذلك أمرين لا يبطل احدهما الآخر : باطن هو العلة الموجبة في حكم الربوبية وهو العلم، وظاهر هو السمة اللازمة في حق العبودية وهوالعمل، وهو أمارة مخيلة غير مفيدة حقيقة العلم، عولموا بذلك ليتعلق خوفهم بالباطن المغيب عنهم، ورجاؤهم بالظاهر البادي لهم، والخوف والرجاء مدرجتا العبودية ليستكملوا بذلك صفة الإيمان، ونظير ذلك أمران : الرزق المقسوم مع الأمر بالمسب، والأجل المحتوم مع المعالجة بالطب، فالمغيب فيهما علة موجبة والظاهر سبب مخيل، وقد اصطلح خواصهم وعوامهم على أن الظاهر منهما لا يترك بالباطن - ذكر معناه الرازي في اللوامع عنا لخطابي.
ولما كانت سلامة الفطرة الأولى أمراً مستمراً، قال :( لا تبديل ( ولعظم المقام كرر الاسم الأعظم فقال :( لخلق الله ) أي الملك الأعلى الذي لا كفوء له، لا يقدر أحد أن يجعل طفلاً في أول أمره خبيث الفطرة لا ينقاد لما يقاد إليه ولا يستسلم لمن يريبه، وكلما كبر وطعن في السن رجع لما طبع عليه من كفر أو إيمان، أو طاعة أو عصيان، أو نكر أو عرفان، قليلاً قليلاً، حتى ينساق إلى ذلك عند البلوغ أو بعده، فإن مات قبل ذلك الجوزي بما كان الله يعلمه منه أنه يعمله طبعياً ويموت عليه كالغلام الذي قتله الخضر عليه السلام صح الخبر بأنه طبع على الكفر، ولا يعذب بما يكون عارضاً منه ويعلم أنه سيكون لو كان كأبوي الغلام لما وقع التصريح به من أنه لو عاش علة منهما الكفر حينئذ فلم يؤاخذا به لأنه عارض لا لا طبعي، فالعبرة بالموت، ومن طبع على شيء لم يمت على غيره، فحقق هذا تعلم أنه لا تنافي بين شيء من النصوص لا من الكتاب ولا من السنة - والله الهادي.
ولما كان الميل مع الدليل كيفما مال أمراً لا يكتنه قدره ولا ينال إلابتوفيق من الله، أشار إلى عظمته بقوله :( ذلك ) أي الأمر العظيم وهو الاهتزاز للدليل واتباع ما يسير إليه ويحث عليه ) الدين القيِّم ( الذي لا عوج فيه ) ولكن أكثر الناس ( قد تدربوا في اتباع الأهوية لما تقدم من الشبه فصاروا بحيث ) لا يعلمون ) أي لا علم لهم أصلاً حتى يميزوا الحق من الباطل لما غلب عليهم من الجفاء.