صفحة رقم ٦٢٥
منه، ولا يمكن أحداً التوقف فيه، وذلك أنه لا يمكن أن يكون الشيء متصفاً بنفي شيء وإثباته في حالة واحدة فقال مبدلاًك ) من الذين فرقوا ( لما فارقوا ) دينهم ( الذي هو الفطرة اولى، فعبد كل قوم منهم شيئاً ودانوا ديناً غير دين من سواهم، وهو معنى ) وكانوا ) أي بجهدهم وجدهم في تلك المفارقة المفرقة ) شيعاً ) أي فرقاً متحاللفين، كل واحدة منهم تشايع من دان بدينها على من خالفهم حتى كفر بعضهم بعضاً واستباحوا الدماء والأموال، فعلم قطعاً أنهم كلهم ليسوا على الحق.
ولما كان هذا امراص يتعجب من وقوعه، زاده عجباً بقوله استئنافاً :( كل حزب ( اي منهم ) بما لديهم ( اي خاصة من خاص ما عندهم من الضلال الذي انتحلوه ) فرحون ( طناً منهم أهم صادفوا الحق وفازوا به دون غيرهم.
ولما حصل من هذا القطع من كل عاقل أن أكثر الخلق ضال، فكان الحال جديراً بالسؤال، عن وجه الخلاص من هذا الضلال، أشير إليه أنه لزوم الاجتماع، وبين ذلك في جملة حالية من فاعل ( فرحون ) فقال تعالى :( وإذا ( وكان الأصل : مسهم، ولكنه قيل لأنه انسب بمقصود السورة من قصر ذلك على الإنسان كما هي العادة في اكثر السور أو غير ذلك من أنواع العالم :( مس الناس ( تقوية لإرادة العموم إشارة إلى كل من فيه أهلية النوس وهوالتحرك، من الحيوانات العجم والجمادات لونطقت ثم اضطربت لتوجهت إليه سبحانه ولم تعدل عنه كما أنها الآن كذلك بألسنة أحواله، فهذا هو الإجماع الذ لا يتصور معه نزاع ) ضر دعوا ربهم ( اي الذي بم يشاركه في الإحسان إليهم أحد في جميع ضلالاتهم التي فرقتهم عنه ) إليه ( علماً منهم بأنه لا فرج لهم عند شيء غيره، هذا ديدن الكل لا يخرم عنه أحد منهم في وقت من الأوقات، ولا في أزمة من الأزمات، قال الرازي في اللوامع في أواخر العنكبوت : وهذا دليل على أن نعرفة الرب في فطرة كل إنسان، وأنهم إن غفلوا في السراء فلا شك أنهم يلوذون إليه في حال الضراء.
ولما كان كل واقع في شدة مستبعداً كل استبعاد الخلاص منها قال :( ثم ( بأداة العبد ) إذا أذاقهم ( مسنداً الرحمة إليه تعظيماً للأدب وإن كان الكل منه.
ولما كان السياق كله للتوحيد، فكانت العناية باستحضار المعبود باسمه وضميره أتم قال :( منه ( مقدماً ضميره دالاً بتقديم الجار على الاختصاص وأن ذلك لا يقدر عليه غيره، وقال :( رحمة ( اي خلاصاً من ذلك الضر، إشارة إلى أنه لو أخذهم بذنوبهم أهلكهم، فلا سبب لإنعامه سور كرمه، ودل على شدة إسراعهم في كفران الإحسان بقوله معبراً بأداة


الصفحة التالية
Icon