صفحة رقم ٦٢٩
ولما أمر بالإيتاء، رغب فيه فقال :( ذلك ) أي الإيتاء العالي الرتبة ) خير ( ولما كان سبحانه أغنى الأغنياء فهو لا يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه لا رياء فيه، قال معرفاً أن ذلك ليس قاصراً على من خص بالخطاب بل كل من تأسى به نالته بركته ) للذين يريدون ( بصيغة الجمع، ولما كان الخروج عن المال في غاية الصعوبةن رغب فيه بذكر الوجه الذي هو أشرف ما في الشيء المعبر به هنا عن الذات وبتكرير الاسم الأعظم المألوف لجميع الخلق فقال :( وجه الله ) أي عظمة الملك الأعلى، فيعرفون من حقه ما يتلاشى عندهم على كل ما سواه فيخلصون له ) وأولئك ( العالو الرتبة لغناهم عن كل فان ) هم ( خاصة ) المفلحون ) أي الذين لا يشوف فلاحهم شيء من الخيبة، وأما غيرهم فخائب، أما إذا لم ينفق فواضح، وأما من أنفق على وجه الرياء بالسمعة والرياء فإنه خسر ماله، وأبقى عليه وباله، وأما من أنفق على وجه الرياء الجقيقي فقد صرح به تعريفاً بعظيم فحشه صارفاً الخطاب عن المقام الشريف الذي كان مقبلاً عليه، تعريفاً بتنزه جناب عنه، وبعد تلكالهمة العلية والسجايا الطاهرة النقية منه، إلى جهة من يمكن ذلك منهم فقالك ) وما اتيتم ( اي جئتم أي فعلتم - في قراءة ابن كثير بالقصر ليعم المعطي والآخذ والمتسبب، أو أعطيتم - في قراءة غيره بالمد ) من ربا ( اي مال على وجه الربا المحرم أو المكروه، وهو أن يعطي عطية ليأخذ في ثوابها أكثر منها، وكان هذا مما حرم على النبي ( ﷺ ) تشريفاً له، وكره لعامة الناس.
وعلى قراءة ابن كثير بالقصر المعنى : وما جئتم به من إعطاء بقصد الربا ) ليربوا ) أي يزيد زيكثر ذلك الذي أعطيتموه أو فعلتموه، أو لتزويد أنتم ذلك - على قراءة المدنيين ويعقوب بالفوقانية المضمومة، من : أربى ) في أموال الناس ) أي تحصل فيه زيادة تكون أموال النلاس ظرفاً لها، فهو كناية عن أن الزيادة التي يأخذها المربي من أموالهم لا يملكها أصلاً ) فلا يربوا ) أي يزكوا وينمو ) عند الله ) أي الملك الأعلى الذي له الغنى المطلق وكل صفات الكمال، وكل ما لا يربو عند الله فهو غير مبارك بل ممحوق لا وجود له، فإنه إلى فناء وإن كثر
٧٧ ( ) يمحق الله الربو ويربي الصدقات ( ) ٧
[ البقرة : ٢٧٦ ].
ولما ذكر ما زيادته نقص، أتبعه ما نقصه زيادة فقال :( وما آتيتم ) أي أعطيتم للإجماع على مدة لئلا يوهم الترغيب في أخذ الزكاة ) من زكاة ) أي صدقة، وعبر عنها بذلك ليفيد الطهارة والزيادة، أي تطهرون بها أموالكم من الشبه، وأبدانكم من مواد الخبث، وأخلاقكم من اغل والدنس.
ولما كان الإخلاص عزيزاً، أشار إلى عظمته بتكريره فقال :( تريدون ) أي بها ) وجه الله ( خاصاً مستحضرين لجلاله وعظمته وكماله، وعبر عن الذات بالوجه لأنه الذي يجل صاحبه ويستحي منه عند رؤيته وهو اشرف ما في الذات.