صفحة رقم ٦٣٢
وحرقته، ويعفو عن كثير إنا أصلاً وراساً، وإما المعالجة به ويؤخره إلى وقت ما في الدنيا، أو إلى الآخرة، والمراد الجزاء بمثل أعمالهم جزاء أعمالهم جزاء لها تعبيراً عن المسبب بالسبب الذي أتوه إلى الناس فيعرفوا إذا سلبوا المال مقدار ما ذاق منهم ذلك الذي سلبوه، وإذا قتل لهم حميم حرارة ما قاسى حميم ما قتلوه، ونحو ذلك مما استهانوا لما أتوه إلى غيرهم من الأذى البالغ وهم يتضاحكون ويعجبون من جزعه ويستهزؤون غافلين عن شدة ما يعاني من أنواع الحرق وهو ومن يعز عليه أمره، ويهمه شأنه، ويده قد غلها عن المساعدة العجز، وقصرها الضعف والقهر ؛ ثم ثلث بالعلة الغائبة فقال :( لعلهم يرجعون ) أي ليكون حالهم عند من ينظرهم حال من يرجى رجوعه عن فعل مثل ذلك خوفاً من أن يعاد بمثل ذلك من الجزاء.
ولما كان الإنسان - لنقصه في تقيد بالجزئيات - شديد الوقوف مع العقل التجربي، وكان علمهم بأيام الماضين ووقائع الأولين كافياً لهم في العظة للرجوع عن اعتقادهم، والتبري من عنادهم، وكانوا - لما لم يروا آثارهم رؤية اعتبار، وتأمل وادكار، عدوا ممن لم يرها، فنبه سبحانه على ذلك بالاحتجاب عنهم بحجاب العزة، أمراً له ( ﷺ ) بأن يأمرهم بالسير للنظر، فقال تأكيداً لمعنى الكلام السابق نصحاً لهم ورفقاً بهم :( قل ) أي لهؤلاء الذي لا همّ لهم إلا الدنيا، فلا يعبرون فيما ينظرون من ظاهر إلى باطن :( سيروا ( وأشار إلى استغراق ديار المهلكين كل حد ما حولهم من الجهات كما سلف فقال :( في الأرض ( فإن سيركم الماضي لكونه لم يصحبه عبرة عدم.
ولما كان المراد الانقياد إلى التوحيد، وكان قد ذكرهم بما اصابهم على نحو ما أصاب به الماضين قال :( فانظروا ( بفاء التعقيب، ولما كان ما أحله بهم في غاية الشدة، عرفهم بذلكن فساق مساق الاستفهام تخويفاً لهم من إصابتهم بمثله فقال :( كيف ( ولما كان عذابهم مهولاً، وأمرهم شديداً وبيلاً، دل عليه بتذكير الفعل فقال :( كان عاقبة ) أي آخر أمر ) الذين ( ولما كان المراد طوائف المعذبين، وكانوا بعض من مضى، فلم يستغرقوا الزمان، بعض فقال :( من قبل ) أي من قبل أيامكم أذاقهم الله وبال أمرهمن وأوقعهم في حفائر مكرهم.
ولما كان هذا التنبيه كافياً في الاعتبار، فكان سامعه جديراً بأن يقول : قد تأملت فرأيت ىثارهم عظيمة، وصنائعهم مكينة، ومع ذلك فمدنهم خاليه وبيوتهم خاوية، قد ضربوا بسوط العذاب، فعمهم الخسار والثيابن فما لهم عنهم كثرتهمن وأنجينا المؤمنين وما ضرتهم قلتهم.