صفحة رقم ٦٣٩
ولما كان سبحانه قد سبب عن ذلك سرور عباده لما يرجون من أثره وإن كانوا كثيراً ما يشاهدون تخلف الأثر لعوارض ينتجها سبحانه، قال مسبباً عن ذلك مشيراً بأداة التحقق إلى عظيم فضله وتحقق إنعامه :( فإذا اصاب ) أي الله ) به من ) أي أرض من ) يشاء ( ونبه على أن ذلك فضل منه لا يجب عليه لأحد اصلاً شيء بقوله :( من عباده ) أي الذين لم تزل عبادته واجبة عليهم، وهم جديرون بملازمة شكره، والخضوع لأمره، خاصاً لهم بقدرته واختياره، وبين خفتهم بإسراعهم إلى الاستبشار مع احتمال العاهات، جامعاً رداً على معنى ( من ) أو على ( العباد ) لأن الخفة من الجماعة أفحش فقال :( إذا هم يستبشرون ) أي يظهر عليهم البشر، وهو السرور الذي تشرق له البشرة حال الإصابة ظهوراً بالغاً عظيماً بما يرجونه مما يحدث عنه من الأثر النافع من الخصب والرطوبة واللين ؛ ثم بين طيشهم وعجزهم بقوله :( وإن ( اي والحال أنهم ) كانوا ( في الزمن الماضي كوناً متمكناً في نفوسهم، وبين رب يأسهم من استبشارهم دلالة على سرعة انفعالهم وكثرة تقلبهم بالجار، فقال :( من قبل أن ينزل ) أي المطر بأيسر ما يكون عليه سبحانه ) عليهم ( ثم أكد عظم خفتهم وعدم قدرتهم بقوله :( من قبله ) أي الاستبشار سواه من غير تخلل زمان يمكن أن يدعي لهم فيه تسبب المطر ) لمبلسين ) أي ساكتين على ما في أنفسهم تحيراً ويأساً وانقطاعاً، فلم يكن لهم على الإتيان بشيء من ذلك حيلة، ولا لمعبوداتهم صلاحية له باستقلال ولا وسيلة.
ولما انكشف بذلك الغطاء، وزاحت الشبه أعرض سبحانه عنهم على تقدير أن يكون ( ترى ) لمن فيه أهلية الرؤية بأنه ل افهم لهم ملتفتاً إلى خلاصة الخلق الصالح للتلقي عنه قائلاً مسبباً عن ذلك :( فانظر ( ولما كان المراد تعظيم النعمة، وأن الرزق أكثر من الخلق، عبر بحرف الغاية إلى تأمل الأقصى بعد تأمل الأدنى فقال :( إلى آثار ( ولما لم يكن لذلك سبب سوى سبق رحمته لغضبه قال :( رحمت الله ( للجامع لمجامع العظة، وأظهر ولم يضمر تنبيهاً على ما في لك من تناهي العظمة في تنوع الزروع بعد سقيا الأرض واهتزازها بالنبات واخضرار الأشجار واختلاف الثمار، وتكون الكل من ذلك الماء.
ولما كان هذا من الخوارق العظيمة، ولكنه قدتكرر حتى صار مألوفاً، نبه على عظمته بأنه أهل لأن يسأل عنه فقال :( كيف يحيي ) أي هذا الأثر أو الله مرة بعد أخرى ) الأرض ( بإخراج ما ذكر منها.
ولما كانت قدرته إحيائها دائة - على ما أشار إليه المضارع ودعا إليه مقصود السورة، أشار إلى ذلك أيضاً بترك الجار فقال :( بعد موتها ( بانعدام ذلك.


الصفحة التالية
Icon