صفحة رقم ٦٤
يراد بالحساب الجزاء، فيكون ذلك تهديداً بيوم بدر والفتح ونحوهما، ويكون المراد بالناس حينئذ قريشاً أو جميع العرب، والحساب : إحصاء الشيء والمجازاة عليه بخير أو شر ) وهم ) أي الحال أنهم من أجل ما في جبلاتهم من النوس، وهو الاضطراب الموجب لعدم الثبات على حالة الأمن، أنقذه الله منهم من هذا النقص وهم قليل جداً ) في غفلة ( فهي تعليل لآخر تلك على ما تراه، لأنهم إذا نشروا علموت، وإذا أبادتهم الوقائع علموا هم بالموت، ومن بقي منهم بالذل المزيل لشماخة الكبر، أهل الحق من أهل الباطل، وقوله :( معرضون ( كالتعليل للغفلة، أي أحاطت بهم الغفلة بسبب إعراضهم عما يأتيهم منا، وسيأتي ما يؤيد هذا في قوله آخرها ) بل كنا ظالمين ( وإلا فالعقول قاضية بأنه لا بد من جزاء المحسن والمسيء.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير في برهانه : لما تقدم قوله سبحانه
٧٧ ( ) لا تمدن عينيك - إلى قوله - فستعلمون من اصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ( ) ٧
[ طه : ١٣١ ] قال تعالى ) اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) أي لا تمدن عينيك إلى ذلك فإني جعلته فتنة لمن ناله بغير حق، ونسأل عن قليل ذلك وكثيره
٧٧ ( ) لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ لنَّعِيمِ ( ) ٧
[ التكاثر : ٨ ] والأمر قريب ) اقترب الناس حسابهم ( وأيضاً فإنه تعالى لما قال
٧٧ ( ) تنذر به قوما لدا ( ) ٧
وهم شديدو الخصومة في الباطل، ثم قال
٧٧ ( ) وكم أهلكنا قبلهم من قرن ( ) ٧
[ مريم : ٧٤ ] إلى آخرها، استدعت هذه الجملة بسط حال، فابتدئت بتأنيسه عليه الصلاة السلام وتسليتة، حتى لا يشق عليه لددهم، فتضمنت سورة طه من هذا الغرض بشارته بقوله
٧٧ ( ) ما أنزلنا عليك القرآن اتشقى ( ) ٧
[ طه : ٢ ] وتأنيسه بقصة موسى عليه السلام وما كان من حا ل بني إسرائيل وانتهاء أمر فرعون ومكابدة موسى عليه السلام لرد فرعون ومرتكبه إلى أن وقصه الله، وأهلكه، وأورث عباده أرضهم وديارهم، ثم اتبعت بقصة آدم عليه السلام ليرى نبيه ( ﷺ ) سنته في عباده حتى أن آدم عليه السلام وإن لم يكن امتحانه بذريته ولا مكابدته من أبناء جنسه - فقد كابد من إبليس ما قصه الله في كتابه، وكل هذا تأنيس للنبي ( ﷺ )، فإنه إذا تقرر لديه أنه سنة الله تعالى في عبادة هان عليه لدد قريش ومكابدتهم، ثم ابتدئت سورة الأنبياء ببقية هذا التأنيس، فبين اقتراب الحساب ووقوع يوم الفصل المحمود فيه ثمرة ما كوبد في ذات الله والمتمنى فيه أن لو كان ذلك أكثر والمشقة أصعب لجليل الثمرة وجميل الجزاء، ثم اتبع ذلك سبحانه بعظات، ودلائل وبسط آيات، وأعلم أنه سبحانه قد سبقت سنته بإهلاك من لم يكن منه الإيمان من متقدمي القرون وسالفي الأمم
٧٧ ( ) ما ءامنت قبلهم من قرية أهلكناها ( ) ٧
[ الأنبياء : ٦ ] وفي قوله
٧٧ ( ) أفهم يومنون ( ) ٧
[ الأنبياء : ٦ ] تعزية لرسول الله


الصفحة التالية
Icon