صفحة رقم ٦٤١
ولما كان هذا كله من حالهم في سرعة الحزن والفرح في حالتي الشدة والرخاء وإصرارهم على تجديد الكفر دليلاً على خفة أحلامهم، وسوء تدبرهم، فغنهم لا للآيات المرئية يعون، ولا للمتلوة عليهم يسمعون، سبب عن ذلك التعريف بأن أمرهم ليس لأحد غيره سبحانه وهو قد جعلهم أموات المعاني، فقال ممثلاً لهم بثلاثة أصناف من الناس، وأكده لأنهم ينكرون أن يكون حالهم كذلك والنبي ( ﷺ ) شديد السعي في إسماعهم والجهد في ذلك :( فإنك ) أي استدامتهم لكفرهم هذا تارة في الرخاء وتارة في الشدة وقوفاً مع الأثر من غير نظر ما إلى المؤثر وأنت تتلو عليهم آياته، وتنبههم على بدائع بيناته بسبب أنك ) لا تسمع الموتى ) أي ليس في قدرتك إسماع الذين لا حياة لهم، فلا نظر ولا سمع، أو موتى القلوب، إسماعاً ينفعهم، لأنه مما اتص به سبحانه، وهؤلاء منهم من هم مثل الأموات لأن الله تعالى قد ختم على مشاعرهم ) ولا تسمع ) أي أنت في قراءة الجماعة غير ابن كثير ) الصم ) أي الذين لا يمع لهم اصلاً، وذكر ابن كثير الفعل من سمع ورفع الصم على أنه فاعل، فكان التقدير : فإن من مات أو مات قلبه ولا يسمع ولا يسمع الصم ) الدعاء ( إذا دعوتهم، ثم لما كان الأصم قد يحس بدعائك إذا كان مقبلاً بحاسة بصره قال :( إذا ولوا ( وذكر الفعل ولم يقل : ولت، إشارة إلى قوة التولي لئلا يظن أنه أطلق على المجانبة مثلاً ولذا بنى من فاعله حالاً هي قوله :( مدبرين (.
ولما بدأ بفاقد حاسة السمع لأنها أنفع من حيث إن الإنسان إنما يفارق غيره من البهائم بالكلام، أتبعها حاسة البصر مشيراً بتقديم الضمير إلى أنه رسول الله ( ﷺ ) يجتهد في هدايتهم اجتهاد من كأنه يفعله بنفسه تدريباً لغيره في القتصاد في الأمور فقال :( وما أنت بهاد العمي ( اي بموحد لهم هداية وإن كانوا يسمعون، هذا في قراءة الجماعة غير حمزة، وجعله حمزة فعلاً مضارعاً مسنداً إلى المخاطب من هدى، فالتقدير : وما أنت تجدد هداية العمي ) عن ضلالتهم ( إذا ضلوا عن الطرق فأبعدوا وإن كان أدنى الضلال - بما أشار إليه التأنيث، وإن أتعبت نفسك في نصيحتهم، فإنهم لا يسلكون السبيل إلا وايديهم في يدك ومتى غفلت عنهم وأنت لست بقيوم رجعوا إلى ضلالهم، فالمنفي في هذه الجملة في قراءة الجمهور ما تقضيه الاسمية من دوام الهداية مؤكداً، وقراءة حمزة ما يقتضيه المضارع من التجدد وفي التي قبلها ما تقتضيه الفعليه المضارعة من التجدد ما دام مشروطاً بالإدبار، وفي الأولى تجدد السماع مطلقاً فهي أبلغ ثم التي بعدها، فممثول الصنف الأول من لا يقبل الخير بوجه ما مثل أبي جهل وأبيّ بن خلف، والثاني من قد يقارب مقاربة ما مثل عتبة بن ربعة حين كان يقول لهم : خلو بين هذا