صفحة رقم ٧٠
أرشد إليه التقدير من مثل : بل جعلناهم جسداً يأكلون ويشربون، ويعيشون إلى انقضاء آجالهم ويمتون، وأرسلناهم إلى أممهم فحذروهم وأنذروهم وكلموهم كما أمرناهم، ووعدناهم أن من آمن بهم أسعدناه، ومن كفر واستمر أشقيناه، وأنا نهلك من أردنا من المكذبينن فآم بهم بعض وكفر آخرون ؛ فلم نعاجلهم بالأخذ بل صبرنا عليهم، وطال بلاء رسلنا بهم ) ثم صدقناهم ( بما اقتضت عظمتنا، وأكد الأمر بتعدية الفعل من غير حرف الجر فقال :( الوعد ) أي بإنجائهم ؛ وأشار بأداة التراخي إلى أنهم طال بلاؤهم بهم وصبرهم عليهم، ثم أحل بهم سطوته، وأراهم عظمته، ولذا قال مسبباً عن ذلك :( فأنجيناهم ) أي الرسل بعظمتنا، ولكون السياق لأنهم في غاية الغفلة التي نشأ عنها التكذيب البليغ الذي اقتضى تنويع القول به إلى سحر وأضغاث وافتراء وشعر، فاقتضى مقابلته بصدق الوعد منه سبحانه، عبر بالإنجاء الذي هو إقلاع من وجدة العذاب في غاية السرعة ) ومن نشآء ) أي من تابيعهم.
إشارة إلى أن سبب الإنجاء المشيئة لا أن التصديق موجب له، لأنه لا يجب عليه سبحانه وتعالى شيء ) وأهلكنا ) أي بما يقتضيه الحكمة ) المسرفين ( كلهم الذين علمنا أن الإسراف لهم وصف لا زم لا ينفكون عنه.
الأنبياء :( ١٠ - ١٥ ) لقد أنزلنا إليكم.....
) لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ لاَ تَرْكُضُواْ وَارْجِعُواْ إِلَى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُواْ يوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ ( ( )
ولما انقضى ما لزمهم بسبب الإقرار برسلية البشر من الإقرار برسلية رسولهم ( ﷺ ) لمونه مساوياً لهم في النوع والإتيان بالمعجز، وما فعل بهم وبأممهم ترغيباً وترهيباً، وختم ذلك بأنه أباد المسرفين، ومحا ذكرهم إلا بالبشر، التفت إلى الذكر الذي طعنوا فيه، فقال مجيباً لمن كأنه قال : هذا الجواب عن طعن في الرسول قد عرف، فما الجواب عن الطعن في الذكر ؟ معرضاً عن جوابهم لما تقدم من الإشارة بحرف الإضراب إلى أن ما طعنوا به فيه لا يقوله عاقل، مبيناً لما لهم فيه من الغبطة التي هم لها رادون، والنعمة التي هم بها كافرون :( لقد ) أي وعزتنا لقد ) أنزلنا ( بما لنا من العظمة ) إليكم ( يا معشر قريش بل العرب قاطبة ) كتاباً ) أي جامعاً لجميع المحاسن لا يغسله الماء ولا يحرقه النار ) فيه ذكركم ( طوال الدهر بالخير إن أطعتم، والشر إن عصيتم، وبه شرفكم على سائر الأمم بشرف ما فيه من مكارم الأخلاق التي كنتم تتفاخرون بها وبشرف نبيكم الذي تقولون عليه الأباطيل، وتكثرون فيه القال والقيل.