صفحة رقم ٨٠
صالح والسدي : كانتا مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرض كانت واحدة ففتقها فجعلها سبع طبقات.
ولما كان خلق الماء سابقاً على خلق السماوات والأرض، قال :( وجعلنا ) أي بما اقتضته عظمتنا ) من الماء ) أي الهمر ثم الدافق ) كل شيء حي ( مجازاً من النبات وحقيقة من الحيوان، خرج الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للنبي ( ﷺ ) :( أخبرني عن كل شيء، ( فقال :( كل شيء خلق من ماء.
) ولذلك أجاب النبي ( ﷺ ) ذلك الذي وجه على ماء بدر وسأله : ممن هو ؟ قوله :( نحن من ماء.
) ولما كان هذا من تصرفه في هذين الكونين ظاهراً ومنتجاً لأنهما وكل فيهما ومن فيهما بصفة العجز عن أن يكون له تصرف ما، تسبب عنه إنكار عدم إيمانهم فقال :( أفلا يؤمنون ) أي بأن شيئاً منهما أو فيهما لا يصلح للإلهية، لا على وجه الشركة ولا على وجه الانفراد، وبأن صانعهما ومبدع النامي من حيوان ونبات منهما بواسطة الماء قادر على البعث للحساب للثواب أو العقاب، بعد أن صار الميت تراباً بماء يسببه لذلك.
ولما كان من القدرة الباهرة ثبات الأرض من غير حركة، ودل الماء أدل دليل على ثباتها، وكانت الأرض أقرب في الذكر من السماء، أتبع ذلك قوله :( وجعلنا ( بما لنا من العظمة ) في الأرض ( جبالاً ) رواسي ) أي ثوابت، كراهة ) أن تميد بهم ( وتضطرب فتهلك المياه كل شيء حي فيعود نفعها ضراً وخيرها شراً.
ولما كان المراد من المراسي الشدة والحزونة لتقوى على الثبات والتثبيت، وكان ذلك مقتضياً لإبعادها وحفظها عن الذلة والليونة، بين أنه أخرق فيها العادة ليعلم أنه قادر مختار لكل ما يريد فقال :( وجعلنا ( بما لنا من القدرة الباهرة والحكمة البالغة ) فيها ) أي الجبال مع حزونتها ) فجاجاً ) أي مسالك واسعة سهلة ؛ ثم ابدل منها قوله :( سبلاً ) أي مذللة للسلوك، ولولا ذلك اتعسر أو تعذر الوصول إلى بعض البلاد ) لعلهم يهتدون ( إلى منافعهم في ديارهم وغيرها، وإلى ما فيها من دلائل الوحدانية وغيرها فيعلموا أن وجودها لو كان بالطبيعة كانت على نمط واحد مساوية للأرض متساوية في الوصف، وأن كونها على غير ذلك دال على أن صانعها قادر مختار متفرد بأوصاف الكمال.


الصفحة التالية
Icon