صفحة رقم ٨٣
الأنبياء :( ٣٦ - ٤٠ ) وإذا رآك الذين.....
) وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ( ( )
ولما أخبر سبحانه عن إعراضهم عن الساعة تكذيباً، واستدل على كونها منزهة عن الغيب في خلق هذا العالم وتعاليه عن جميع صفات النفص واتصافه بأوصاف الكمال إلى أن ختم ذلك بمثل ما ابتدأ به على وجه أصرح، وكان فيه تنبيههم على الابتلاء وكان الابتالء على قدر النعم، فكان ( ﷺ ) أعظم شيء ابتلوا به لأنه لا نعمة أعظم من النعمة به، ولا شيء أظهر من آياته عطف على قوله ( واسروا النجوى ) قوله :( وإذا رءاك ) أي وأنت أشرف الخلق وكلك جد وجلال وعظمة وكمال ) الذين كفروا ( فأظهر منبهاً على أن ظلمهم الذي أوجب لهم ذلك هو الكفر وإن كان في أدنى رتبة، تبشيعاً له ونتبيهاً على أنه يطمس الفكر مطلقاً.
ولما كان من المعلوم أنه ( ﷺ ) في غاية البعد عن الهزء، قال منبهاً على أنهم أعرقوا في الكفر حتى بلغوا الذروة :( إن ) أي ما ) يتخذونك ) أي حال الرؤية، وسيعلم من يبقى منهم عما قليل أنك جد كلك ) إلا هزواً ) أي جعلوك بحمل أنفسهم على ضد ما يعتقد عين ما ليس فيك شيء منه ؛ ثم بين استزاءهم به بأنهم يقولون إنكاراً واستصغاراً :( أهذ الذي يذكر ) أي بالسوء ) ءالهتكم ( قال أبو حيان : والذكر يكون بالخير والشر، فإذا لم يذكر متعلقه فالقرينة تدل عليه - انتهى.
فإذا دلت القرينة على أحدهما أطلق عليه ) وهم ) أي والحال أنهم على حال كانوا بها أصلاً في الهزء، وهي أنهم ) بذكر الرحمن ( الذي لا نعمة عليهم ولا على غيرهم إلا منه، وكرر الضمير تعظيماً بما أتوا به من القباحة فقال :( هم ) أي بظواهرهم وبواطنهم ) كافرون ) أي ساترون لمعرفتهم به، فلا أعجب ممن هو محل للهزء لكونه أنكر ذكر من لا نعمة منه ولا نقمة أصلاً بالسوء، وهو يذكر من كل نعمة منه بالسوء ويهزأ به.
ولما كان من آيات الأولين التي طلبوها العذاب بأنواع الهول، وكانوا هم أيضاً قد طلبوا ذلك واستعجلوا به ) ) عجل لنا قطنا ( ) [ ص : ٢٦ ] ونحو ذلك، وكان الذي جرأهم على هذا حلم الله عنهم بإمهاله لهم، قال معللاً لذلك :( خلق ( وبناه للمفعول لأن المقصود بيان ما جبل عليه والخالق معروف ) الإنسان ) أي هذا النوع.


الصفحة التالية
Icon