صفحة رقم ١١٢
ولما لم يكن مطلق النبوة ولا مطلق الرسالة منافياً لأبوه الرجال قال :( وخاتم النبيين ) أي لأن رسالته عامة ونبوته معها إعجاز القرآن، فلا حاجة مع ذلك إلى استنباء ولا إرسال، فلا يولد بعده من يكون نبياً، وذلك مقتض لئلا يبلغ له ولد يولد مبلغ الرجال، ولو قضي أن يكون بعده نبي لما كان إلا من نسله إكراماً له لأنه أعلى النبيين رتبة وأعظم شرفاً، وليس لأحد من الأنبياء كرامة إلا وله مثلها أو أعظم منها، ولو صار أحد من ولده رجلاً لكان نبياً بعد ظهور نبوته، وقد قضى الله ألا يكون بعده نبي إكراماً له، روى أحمد وابن ماجه عن أنس وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ( ﷺ ) قال في ابنه إبراهيم :( لو عاش لكان صديقاً نبياً ) وللبخاري نحوه عن البراء بن عازب رضي الله عنه، وللبخاري من حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه : لو قضى أن يكون بعد محمد ( ﷺ ) نبي لعاش ابنه، ولكن لا نبي بعده.
والحاصل أن لا يأتي بعده نبي بشرع جديد مطلقاً ولا يتجدد بعده أيضاً استنباء نبي مطلقاً، فقد آل الأمر إلى أن التقدير : ما كان محمد بحيث يتجدد بعده نبوة برسالة ولا غيرها ولكنه كان - مع أنه رسول الله - ختاماً للنبوة غير أنه سيق على الوجه المعجز لما تقدم من النكت وغيرها، وهذه الآية مثبتة لكونه خاتماً على أبلغ وجه وأعظمه، وذلك أنها في سياق الإنكار لأن يكون بنيه أحد من رجالهم بنوة حقيقية أو مجازية بغير جهة الإدلاء بأنثى أو كونه رسولاً وخاتماً، صوناً لمقام النبوة أن يتجدد بعده لأحد لأنه لو كان بشر لم يكن إلا ولداً له، وإنما أوثرت إماتة اولاده عليه الثلاة والسلام وتأثير قلبه الشريف لها إعلاء لمقامه أن يتسنمه أحد كائناً من كان، وذلك لأن فائدة إيتان النبي تتميم شيء لم يأت به من قبله، وقد حصل به ( ﷺ ) التمام فلم يبق بعد ذلك مرام ( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )