صفحة رقم ١١٥
في وقتيهما من الشغل بالراحة وغيرها - دالة على غاية المحبة للمثول بالحضرات الربانية حاملة على المواظبة على غيرهما من الصلوات وجميع الطاعات بطريق الأولى، ويؤكد هذا الثاني تعبيره بلفظ الصلاة في تعليل ذلك بدوتم ذكره لنا سبحانه بقوله :( هو الذي يصلي عليكم ) أي بصفة الرحمانية متحنناً، لأن المصلي منا يتعطف في الأركان ) وملائكته ) أي كلهم بالاستغفار لكم وحفظكم من كثير من المعاصي والآفات ويتردد بعضهم بينه سبحانه وبين الأنبياء بما ينزل إليهم من الذكر الحافظ من كل سوء فقد اشتركت الصلاتان في إظهار شرف المخاطبين.
ولما كان فعل الملائكة منسبوباً إليه مع كونه الخالق له الآمر به قال :( ليخرجكم ) أي بذلك ) من الظلمات ) أي الكائنة من الجهل الموجب للضلال ) إلى النور ) أي الناشئ من العلم المثمر للهدى، فيخرج بعضكم بالفعل من ظلمات المعاضي المقتضية للرين على القلب إلى نور الطاعات، فتكونوا بذلك مؤمنين ) وكان ) أي ازلاً وأبداً ) بالمؤمنين ) أي الذين صار الإيمان لهم ثابتاً خاصة ) رحيماً ) أي بليغ الرحمة يتوفيقهم لفعل ما ترضاه الإلهية، فإنهم أهل خاصته فيحملهم على الإخلاص في الطاعات، فيرفع لهم الدرجات في روضات الجنات.
ولما كان أظهر الأوقات في تمرة هذا الوصف ما بعد الموت، قال تعالى مبيناً لرحمتهم :( تحيتهم يوم يلقونه ) أي بالموت أو البعث ) سلام ) أي يقولون له ذلك، ( أنت السلام ومنك السلام فجئنا ربنا السلام ) كما يقوله المحرم المشبه لحال من هو في الحشر فيجابون بالسلام الذي فيه إظهار شرفهم ويأمنون معه من كل عطب ) وأعد ) أي والحال أنه أعد ) لهم ) أي بعد السلامة الدائمة ) أجراً كريماً ) أي غدقاً دائماً لا كدر في شيء منه.
ولما وعظ المؤمنين فيه ( ﷺ ) له بما أقبل بأسماعهم وقلوبهم إليه، وختم بما يوجب لهم الفوز بما عنده سبحانه، وكان معظم ذلك له ( ﷺ ) فإن رأس المؤمنين، أقبل بالخطاب عليه ووجهه إليه فقال منوهاً من ذكره ومشيداً من قدره بما ينتظم بقوله ) الذين يبلغون رسالات الله ( الآية وما جرها من العتاب :( يا أيها النبي ) أي الذي مخبره بما لا يطلع عليه غيره.
ولما كان الكافرون - المجاهرون منهم والمساترون - ينكرون الرسالة وما تبعها، أكد قوله في أمرها وفخمه فقال :( إنا أرسلناك ) أي بعظمتنا بما ننبئك به إلى سائر خلقنا ) شاهداً ) أي عليهم ولهم مطلق شهادة، لأنه لا يعلم بالبواطن إلا الله، وأنت مقبول الشهادة، فأبلغهم جميع الرسالة سرهم ذلك أو ساءهم سرك فعلهم أو ساءك.


الصفحة التالية
Icon