صفحة رقم ١٣٠
الأولين حتى نبه عمر رضي الله عنه من توسم في وجهه ( ﷺ ) الكراهة لفعل عمر، وإنباء كل حال منها يحسب ما يفيده الانفعال من الانبساط والانقباض والإعراض ونحو ذلك مما يتوسمه المتفطن، ويقطع يمقتضاه المتفهم، وأما الرسم فهو كل ما شأنه البقاء بعد غيبته ووفاته، فيتفهم منه المعتبر حكم وضعه ومقصد رسمه، كالذي يشاهد من هيئة بنائه مسجده على حال اجتزاء بأيسر ممكن وكبنائه بيوته على هيئة لا تكلف فيها، ولا مزيد علة مقدار الحاجة، وكمثل الكساء الملبد الذي تركه، وفراشه ونحو ذلك من متاع بيوته، وكما يتفهم من احتفاله في أداة سلاحه مثل كون سيفه محلى بالفضة وقبضته فضة، ومثل احتفاله بالتطيب حتى كان يرى في ثوبه وزره، فيتعرف من رسومه أحكامه، كما يتعرف من أحواله وأفعاله وأقواله، وذلك لأن جميع هذه الإبانات كلها هي حقيقة ما هو الكلام - انتهى.
وبرهان ذلك أن الأصل في الكل الكلام النفسي الذي هو المنشأ، والقول والفعل والحال والرسم مترجمة عنه، وليس بعضها أحق بالترجمة من بعض، نعم بعضها أدل من بعض وأنص وأصرح، فتهيؤ النبي ( ﷺ ) للقيام من بيته مثل لو قال : أريد ن تذهبوا، فإنه يلزم من قيام الرجل من بيته الذي هو محل ما يستره عن غيره أن يريد ذهاب، فإنه يلزم من قيام الرجل من بيته الذي هو محل ما يستره من غيره أن يريد ذهاب غيره منه لئلا يطلع على ما لا يحب أن يطلع عليه أحد، وإيتانه ليدخل فإذا رآهم رجع مثل لو قال : إنما يمنعني من الدخول إلى محل راحتي جلوسكم فيه لثقل جلوسكم عليّ، وكذا الأحوال والرسول - والله الهادي.
الأحزاب :( ٥٤ - ٥٦ ) إن تبدوا شيئا.....
) إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ( ( )
ولما كان بعض الدال على الكلام - كما مر - أصرح من بعض، فكان الإنسان قد يضمر أن يفعل ما يؤذي إذا تمكن، وقد يؤذي بفعل يفعله، ويدعي أنه قصد شيئاً آخر مما لا يؤدي، قال تعالى حاملاً لهم على التفطن والتنبه في الأقوال وغيرها والمقاصد الحسنة ظاهراً وباطناً، على طريق الاستئناف في جواب من ربما انتهى بظاهره، وهو عاظم على أن يفعل الأذى عند التمكن :( إن تبدوا ) أي بألسنتكم أو غيرها ) شيئاً ) أي من ذلك وغيره ) أو تخفوه ) أي في صدروكم.
ولما فعل من يخفي أمراً عن الناس فعل من يظن أنه يخفى على ربه، قال


الصفحة التالية
Icon