صفحة رقم ١٣٦
الإلهية.
ولما رقاهم سبحانه بهذا الأمر في حضرات الرضوان، خافوا عاقبة ما كانوا فيه من الغلط بالتشبه بالإماء، فأخبرهم سبحانه أنه في محل الجود والإحسان، فقال :( وكان الله ) أي الذي له الكمال المطلق، أزلاً وأبداً ) غفوراً ) أي محاء للذنوب عيناً وأثراً ) رحيماً ( مكرماً لمن يقبل عليه ويتمثل أوامره ويحتنب مناهيه، قال البغوي : قال أنس رضي الله عنه : مرت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه جارية متقنعة فعلاها بالدرة وقال : يا لكاع أتتشبهين بالحرائر ؟ ألقي القناع.
ولما كان المؤذون بما مضى وغيره أهل النفاث ومن داناهم، حذرهم بقوله مؤكداً دفعاً لظنهم الحلم عنهم :( لئن لم ينته ) أي عن الأذى ) المنافقون ) أي الذين على المعاصي ) والمرجفون في المدينة ( وهو الذين يشيعون الأخبار المخيفة لأهل الإسلام التي تضطرب لها القلوب سواء كانوا من القسمين الأولين أو لا ) لنغرينك بهم ( بأن نحملك على أن تولع بهم بأن نأمرك بإهانتهم ونزيل الموانع من ذلك، ونثبت الأسباب الموصلة إليه حتى تصير لاصقاً بجميع أموالهم لصوق الشيء الذي يلحم بالغراء فلا يقدروا على الانفكاك عن شيء مما تفعله بهم إلا بالبعد من المدينة بالموت أو الرحيل إلى غيرها، وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما كما رواه عنه البخاري : لنسلطنك.
ولما كان نزوحهم عن المدينة مستبعداً عنهم جداً، وكان أعظم رتبة في أذاهم من غيره، لأن الإخراج من الأوطان من أعظم الهوان، أشار إليه بأداة التراخي فقال :( ثم لا يجاورونك فيها ) أي بعد محاولتك لهم ) إلا قليلاً ) أي من الزمان بقدر ما يمكن لك المضارب فتعظم عليهم المصائب.
ولما كان معنى الكلام أنهم ينفون لأنه ( ﷺ ) يؤمر بنفيهم وإبعادهم وقتلهم، بين حالهم في نفيهم أو نصبه على الشتم فقال :( ملعونين ) أي ينفون نفي بُعد من الرحمة وطرد عن أبواب القبول.
ولما كان المطرود قد يترك وبعده، بين أنهم على غير ذلك فقال مستأنفاً :( أينما ثقفوا ) أي وجدوا وواجدهم أحذق منهم وأفطن وأكيس وأصنع ) أخذوا ) أي أخذهم ذلك الواجد لهم ) وقتلوا ) أي أكثر قتلهم وبولغ فيه ؛ ثم أكده بالمصدر بغضاً فيهم وإرهاباً لهم فقال :( تقتيلاً ( ولما سن لهم هذا العذاب الهائل في الدنيا، بين أن تلك عادته في أوليائه وأعدائه، فقال مؤكداً بالإقامة في موضع المصدر، لما لهم من استبعاد ذلك لكونهم لم يعهدوا مثله مع ما لهم من الاشتباك بالأهل والعشائر فقال :( سنة الله (