صفحة رقم ١٤٢
ما نقله البغوي عن الزجاج وغيره من أهل المعاني، وما أحسن ما قاله النابغة زياد بن معاوية الذيباني حيث قال :
أتيتك عارياً خلقاً ثيابي على خوف تظن بي الظنون فألفيت الأمانة لم تخنها كذلك كان نوح لا يخون
قال ابن الفرات : إن عمر رضي الله عنه قال لما قيل إن النابغة قائلهما : هو أشعر شعرائكم.
ولما كان الخائن أكثر من الأمين أضعافاً مضاعفة، وكانت النفس بما أودع فيها من الشهوات والحظوظ محل النقائص، قال تعالى :( وحملها الإنسان ) أي أكثر الناس والجن، فإن الإنسان الأنس، والإنس والأناس الناس، وقد تقدم في ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) [ الأعراف : ٨٥ ] في الأعراف أن الناس يكون من الإنس ومن الجن، وأنه جمع إنس وأصله أناس، والإسناد إلى الجنس لا يلزم منه أن يكون كل فرد منه كذلك، فهو هنا باعتبار الأغلب، وفي التعبير به إشارة إلى أنه لا يخون إلا من هو في أسفل الرتب لم يصل إلى حد النوس.
ولما كان الإنسان - لما له بنفسه من الأنس وفي صفاته من العشق، وله من العقل والفهم - يظن أنه لا نقص فيه، علل ذلك بقوله مؤكداً :( إنه ( على ضعف قوته وقلة حيلته ) كان ) أي في جبلته إلا من عصم الله ) ظلوماً ( يضع الشيء في غير محله كالذي في الظلام لما غطى من شهواته على عقله، ولذلك قال :( جهولاً ) أي فجهله يغلب على حمله فيوقعه في الظلم، فجعل كل من ظهور ما أودعه الله في الأكوان وكونه في حيز الإمكان كأنه عرض عليها كل من حمله وبذله كما أنه جعل تمكين الإنسان من كل من إبداء ما اؤتمن عليه وإخفائه كذلك.
ولما كان الحكم في الظاهر على جميع الإنسان، وفي الحقيقة - لكون القضية الخالية عن السور في قوة الجزئية - على بعضه، لكنه لما أطلق الكلي فهم أن المراد الأكثر، قال مبيناً أن ( ال ) ليست سوراً معللاً لحمله لها مقدماً التعذيب إشارة إلى أن الخونة أكثر، لافتاً العبارة إلى الاسم الأعظم لتنويع المقال إلى جلال وجمال :( ليعذب الله ) أي الملك الأعظم بسبب الخيانة في الأمانة، وقدم من الخونة أجدرهم بذلك فقال :( المنافقين والمنافقات ) أي الذين يظهرون بذل الأمانة كذباً وزوراً وهم حاملون لها عريقون في النفاق ) والمشركين والمشركات ) أي الذين يصارحون بحملها ومنعها عن أهلها وهم عريقون في الشرك فلا يتوبون منه.