صفحة رقم ١٥٧
الإظهار للجمهور.
ولما كان الخسف قد يكون لسطح أو سفينة ونحوهما، خص الأمر بقوله :( الأرض ) أي كما فعلنا بقارون وذويه لأنه ليس نفوذ بعض أفعالنا فيها بأولى من غيره ) أو تسقط عليهم كسفاً ( بفتح السين على قراءة حفص وبإسكانه على قراءة غيره أي قاطعاً ) من السماء ( كذلك ليكون شديد الوقع لبعد الموقع المدى عن السحاب ونحوه لأن من المعلوم أنا نحن خلقناهما، ومن أوجد شيئاً قدر على هذه وهذا ما أراد منه، ومن جعل السياق للغيب - وهو حمزة والكسائي - رد الضمير على الاسم الأعظم الذي جعله مطلع السورة.
ولما كان هذا أمراً ظاهراً، أنتج قوله مؤكداً لما لهم من إنكار البعث :( إن في ذلك ) أي في قدرتنا على ما نشاء من كل منهما والتأمل في فنون تصاريفهما ) لآية ) أي علامة بينة على أنا نعامل من شئنا فيهما بالعدل بأي عذاب أردنا، ومن شئنا بالفضل بأي ثواب أردنا، وذلك دال على أنا قادرون على كل ما نشاء من الإمانة والإحياء وغيرهما، فقد خسفنا بقارون وآله وبقوم لوط وأشياعهم، وأسقطنا من السماء على أصحاب الأيكة يوم الظلة قطعاً من النار، وعلى قوم لوط حجارة، فأهلكنهم بذلك أجمعين.
ولما كانت الآيات لا تنفع من طبع على العناد قال تعالى :( لكل عبد ) أي متحقق أنه مربوب ضعيف مسخر لما يراد منه ) منيب ) أي فيه قابلية الرجوع عما أبان له الدليل عن أنه زل فيه.
ولما أشار سبحانه بهذا الكلام الذي دل فيه على نفوذ الأمر إلى أنه تارة يعدل وتارة يفضل، وكان الفضل أكثر استجلاباً لذوي الهمم العلية والأنفس الأبية، بدأ به في عبد من رؤوس المنيبين على وجه دال على البعث بكمال التصرف في الخافقين وما فيهما بأمور شوهدت لبعض عبيدة تارة بالآذان، أما عند أهل الكتاب فواضح، وأما عند العرب فبتمكينهم من سؤالهم فقد كانوا يسألونهم عنه ( ﷺ ) وقال أبو حيان : إن بعض ذلك طفحت به أخبارهم ونطقت به أشعارهم، فقال تعالى مقسماً تنبيهاً على أن إنكارهم للبعث إنكار لما يخبر به من المعجزات، عاطفاً على ما تقديره : فلقد آتينا هذا الرجل الذي نسبتموه إلى الكذب أو الجنون منا فضلاً بهذه الأخبار المدلول عليها بمعجز القرآن فيا بعد ما بينه ما نسبتموه إليه :( ولقد ) أي وعزتنا وما ثبت لنا من الإحاطة بصفات الكمال بالاتصاف بالحمد لقد ) آتينا ) أي أعطينا إعطاء عظيماً دالاً على نهاية المكنة بما لنا من العظمة ) داود (.
ولما كان المؤتى قد تكون واسطة لمن منه الإيتاء، بين أن الأمر ليس إلا منه فقال :( منا فضلاً ( ودل على أن التنوين للتعظيم وأنه لا يتوقف تكوين شيء على غير